الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 85 ] الاعتراض الثامن - سؤال عدم التأثير

          وهو إبداء وصف في الدليل مستغنى عنه في إثبات الحكم أو نفيه ، وقد قسمه الجدليون أربعة أقسام :

          الأول : عدم التأثير في الوصف ، وذلك بأن يكون الوصف المأخوذ في الدليل طرديا لا مناسبة فيه ولا شبه ، [1] وذلك كما يقال في صلاة الصبح : صلاة لا يجوز قصرها ، فلا تقدم في الأداء على وقتها كالمغرب فإن عدم القصر وصف طردي بالنسبة إلى الحكم المذكور .

          الثاني : عدم التأثير في الأصل وهو أن يكون الوصف قد استغني عنه في إثبات الحكم في الأصل المقيس عليه بغيره ، وذلك كما إذا قال المستدل في بيع الغائب ، مبيع غير مرئي ، فلا يصح بيعه كالطير في الهواء والسمك في الماء فإن ما وجد في الأصل من العجز عن التسليم مستقل بالحكم .

          وهذا النوع مما اختلف فيه ، فرده الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني ومن تابعه مصيرا منهم إلى أنه إشارة إلى علة أخرى في الأصل ولا يمتنع تعليل الحكم الواحد في محل واحد بعلتين .

          ومنهم من قبله مصيرا منهم إلى امتناع الحكم بعلتين ، وقد سبق تقرير كل واحد من المأخذين وما هو المختار منهما .

          الثالث : عدم التأثير في الحكم ، وهو أن يذكر في الدليل وصفا لا تأثير له في الحكم المعلل ، وذلك كما لو قال المستدل في مسألة المرتدين إذا أتلفوا أموالنا : طائفة مشركة فلا يجب عليهم الضمان بتلف أموالنا في دار الحرب كأهل الحرب ، فإن الإتلاف في دار الحرب لا تأثير له في نفي الضمان ضرورة الاستواء في الحكم عندهم بين الإتلاف في دار الحرب ودار الإسلام .

          [ ص: 86 ] وحاصل هذا القسم يرجع إلى عدم التأثير في الوصف بالنسبة إلى الحكم المذكور إن كان طرديا ، أو إلى سؤال الإلغاء إن كان مؤثرا .

          الرابع : عدم التأثير في محل النزاع ، وهو أن يكون الوصف المذكور في الدليل لا يطرد في جميع صور النزاع وإن كان مناسبا .

          وذلك كما لو قال المستدل في مسألة ولاية المرأة زوجت نفسها من غير كفء فلا يصح نكاحها ، وذلك من حيث إن النزاع وقع فيما إذا زوجت نفسها من الكفء وغير الكفء .

          وهذا أيضا مما اختلف في قبوله ، فرده قوم مصيرا منهم إلى منع جواز الفرض في الدليل ، وقبله من لم يمنع من ذلك ، وهو المختار على ما عرفناه في كتاب الجدل .

          وإذا بطل القسم الرابع ، وهو عدم التأثير في محل النزاع ورجع حاصل القسم الثالث ، وهو عدم التأثير في الحكم إلى عدم التأثير في الوصف أو الإلغاء ، فلم يبق غير عدم التأثير في الوصف وعدم التأثير في الأصل ، وعدم التأثير في الوصف راجع إلى بيان انتفاء مناسبة الوصف ، وسؤال المطالبة يغني عنه ، وجوابه جوابه فلا يجتمعان ، وعدم التأثير في الأصل ، فحاصله يرجع إلى المعارضة في الأصل لا أنه غيره ، وجوابه كما يأتي .

          ومع ذلك كله فقد يكون أخذ الوصف الذي لا يناسب الحكم في الدليل مفيدا ، بأن يكون مشيرا إلى نفي المانع الموجود في صورة النقض أو وجود الشرط الفائت فيها لقصد ، أو مشيرا إلى قصد الفرض في الدليل في بعض صور النزاع ، كما ذكر من مثال أخذ الإتلاف في دار الحرب في مسألة المرتدين ، ولا يكون عديم التأثير ؛ إذ هو غير مستغنى عنه في إثبات الحكم إما لقصد دفع النقص أو لقصد الفرض .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية