مسألة:
واختلفوا في إعطاء الغني منهم، فكان يقول: لا يفضل فقير على غني لأنهم أعطوا باسم القرابة، وبه قال الشافعي . أبو ثور
وروينا عن أنه قال: الخمس بمنزلة الفيء، يعطى منه الغني والفقير، وقال بعض أصحابه من مكحول أهل العراق: الفيء لمن سمى الله في كتابه لرسوله، ولذي القربى، واليتامى والمساكين، وابن السبيل، ولم يجعل فيه حظا لغني لقوله: ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) ، ولقوله: ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) إلى قوله ( الصادقون ) ، فكان بنو هاشم، وبنو المطلب قرابة رسول الله الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل لهم هذا الفيء الذي خصهم به مطعما، ومنعهم الصدقة التي هي أوساخ الناس فجعل لهم الفيء الذي رضيه لنبيه وأكرمه به، ومنعه الصدقة التي هي ذلة ومسكنة يضرع لها السائل، ويعلو بها المعطي . [ ص: 107 ]
قال: وقال : الشافعي ولم يزعم ذلك في الأصناف الباقية من اليتامى وابن السبيل، فزعم سهم ذي القربى للغني منهم والفقير، أبو عبد الله أن القرآن على ظاهره، فحكم لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم لغنيهم وفقيرهم بخمس الخمس وقال: هو لهم بظاهر الآية، ثم قال: ليس لليتامى ولا لابن السبيل فيها حق إلا أن يكونوا فقراء مساكين، فنقض أصله وترك مذهبه .
قال أبو بكر:
وهذا غير لازم للشافعي ; لأن حكم لذي القربى لغنيهم وفقيرهم بظاهر الآية، وبأن الشافعي أعطي منه وهو كثير المال، ومنع العباس بن عبد المطلب عثمان وجبير حيث طلبا أن يعطيا من الخمس، ليس من جهة غناهما، إذ لو كان منعهما من جهة غناهما لأشبه أن يقول: لا يحل لكما ذلك; لأنكما غنيان، إذ لا حظ فيها لغني، كما قال للرجلين اللذين سألاه الصدقة، ولو اختلف أهل العلم في اليتيم الغني، وابن السبيل الغني; لأجاب فيما يعطي كل واحد منهما بما أجاب به في سهم ذي القربى، ولكن الإجماع لما منع من إعطاء اليتيم الغني، وابن السبيل الغني، منع أن (يعطيان) لمنع الإجماع منه، ولم يمنع الإجماع من إعطاء أغنياء القرابة، فمنعهم لعلة الإجماع، ولكنه لما اختلف في الغني من القرابة، رد أمره إلى ظاهر الكتاب، ومنع اليتيم الغني وابن السبيل الغني; لأن الإجماع منع أن يعطيا إذا كانا غنيين . [ ص: 108 ]