السؤال
أنا متزوجة منذ سنة و8 شهور وحدثت خلافات شديدة بيني وبين زوجي كثيراً منذ زواجنا إلى الآن، سؤالي هو: هل أنا آثمة إذا أخبرت أهلي بالهاتف عن صفات وتصرفات لزوجي تتعب نفسيتي، وعن صفات لا أحبها بأهل زوجي، مع العلم بأن أهلي لا يتدخلون ولا يراجعون زوجي فقط أفضفض لهم ما في قلبي وأنا في بلاد الغربة ومتعلقة بأهلي كثيراً، وما حكم الشرع في تنصت زوجي على مكالماتي مع أهلي وتسجيلها والاحتفاظ بها دون معرفتي إلا مؤخرا بحجة أنه يريد معرفة ما أخبر أهلي عنه; مع العلم بأنه يخبر أهله عني بما يكرهه مني ولا أسجل مثله، وهذا التصرف أحدث شكوكا كثيرة بقلبي ناحية زوجي وأغضبني لأنه اطلع على خصوصيات أهلي.. أصبحت لا أشعر بالأمان منه، فأرجو الرد سريعا وإفادتي أنا وزوجي لكي نشعر بالثقة تجاه بعضنا, وكيف أشعر بالأمان بعد ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالزواج ينبغي أن يكون مبنياً على الألفة والمودة والتفاهم، وما قد يكدر ذلك من أمور عارضة للطبيعة البشرية سرعان ما يزول ويتلاشى إذا عولج بحكمة ورزانة، وما من زوجين إلا ويحدث بينهما ذلك، والأصل أن تحل تلك الخلافات فيما بين الزوجين دون إشراك طرف ثالث ولو كان من أهلهما وأقاربهما لكيلا يتسع نطاقه، ولكن ربما يكون من الأصلح أحياناً في بعض النزاع بين الزوجين استشارة أهل الرأي السديد من الأصدقاء والقرابة، وذلك حين لا يمكن حله بينهما وخشي استحكامه وفصمه لعرى الزوجية، فقد شاور زيد بن حارثة النبي صلى الله عليه وسلم في شأن زوجته زينب، وعرضت أم الدرداء حالها على سلمان لما سألها عن سبب تبذلها، كما في البخاري وغيره.
وعموماً فلا ينبغي إخراج ما بين الزوجين إلى غيرهما إلا إذا لم يمكن حل الأمر بينهما، فحينئذ يكون إعلام صديق أو قريب لحل النزاع أو المشورة برأي هو الأفضل، فإن كان خلافك مع زوجك من هذا القبيل فلا حرج في ذكره لمن يستطيع المساعدة في حله من أهلك، وأما ذكره لمجرد الترويح عن النفس أو إذا كان ذكره ربما زاده بتدخل أهلك فلا ينبغي لك ذكره، وحاولي معالجة كل ذلك فيما بينك وبينه بالحكمة والرزانة والعقل والتغاضي عما يمكن التغاضي عنه، وأحسني التبعل والتودد له سيما إذا رأيت منه جفوة وذلك لعظم حقه عليك وبذلك تستطيعين كسب وده واختلاب لبه.
وأما ذكرك لعيوب أهله ومساوئهم وانتهاك أعراضهم، وذكرهم بما يكرهون فهي غيبة محرمة وصاحبها مرتكب لكبيرة من الكبائر، ويشمله الوعيد في ذلك وتراجع الفتوى رقم: 6710.
إلا إذا كان ذكر ذلك رفعاً للظلم، ودفعاً للأذى، واستجلاباً للنصح والإرشاد إلى أحسن الطرق لقطع تلك الأذية، وذلك أن ذكر المساوئ لمصلحة معتبرة شرعاً جائز، لما في مسلم عن فاطمة بنت قيس أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له.
ولكن ننبهك إلى أن أفضل وسيلة لاحتمال الأذى هي تقوى الله عز وجل والاستعانة به، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والتعوذات من شر كل ذي شر، ومعاملة أصهارك بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35}، وأما ما ذكرت من تجسس زوجك عليك وتسجيله لمكالماتك فليس من حقه ذلك، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 21021، والفتوى رقم: 60127.
وخلاصة القول أنه لا يجوز لك ذكر زوجك أو أهله بما يكرهون من مساوئهم إلا إذا كان ذلك لدفع الأذى أو لجلب النصح والإرشاد لا لمجرد التشهي، كما لا يجوز له هو ولا أهله ظلمك أو إهانتك أو التجسس عليك وتسجيل مكالماتك، والذي ننصح به هو معالجتك جميع ذلك بالحكمة والرزانة.
والله أعلم.