الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من تعاطى الطب ولم يسبق له تجربة فهو ضامن

السؤال

إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، في الساعات الأولى من الصباح وبينما كنت غارقاً في النوم جاءتني جارتي مستغيثة، وأيقظتني تطلب إلي أن أجلب الطبيب لأخيها الذي أتاها باكراً مصاباً بأزمة قلبية راغباً في رؤية والدته قبل موته حسب قولها، فأسرعت وأنا بثياب البيت لاستدعاء أي طبيب قريب وفشلت في ذلك إذ رفض من وجدته منهم الحضور بينما كانت كافة عيادات الأطباء مغلقة في ذلك الصباح المشؤوم فما كان مني إلا أن استدعيت الإسعاف العام بواسطة الهاتف ورغبة مني في مساعدة المريض المذكور ريثما تصل سيارة الإسعاف قدمت له كأساً من الماء بعد أن وضعت به بضع قطرات من مادة "الكوراميل" وهي مادة منشطة للقلب معتقداً أن ذلك سيفيد في شفائه، ووصلت سيارة الإسعاف ونقلت المريض فوراً إلى المستشفى لكنه توفي أثناء نقله للمستشفى بقضاء من الله وقدره، واعتقدت أن الأمر انتهى عند هذا الحد وفقاً لإرادة الله عز وجل، غير أن الأمر اختلف بالنسبة لي بعد ذلك، إذ وبطريق الصدفة سمعت بعد سنوات من ذلك الحادث، ومن خلال برنامج فضائي إذاعي، أن تلك المادة "الكوراميل" تحدث تسرعاً في القلب يؤدي للوفاة إذا أعطيت للمريض أثناء الأزمات القلبية، ومن تلك اللحظة وحتى الآن وأنا أتألم وتساورني الشكوك والتساؤلات إن كان لي يد أو علاقة في وفاته أم لا، وما إذا كنت مذنباً آثماً في حقه أو في حق الله أو مجرماً من الناحية الشرعية، وكيف أكفر عن هذا الذنب إن كنت مذنباً في نظر الشريعة الإسلامية الغراء والتي من أحكامها "إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى" مع العلم بأن إرادتي انصبت لمساعدة ذلك المريض بغية شفائه بحسب علمي واعتقادي المتوفر عندي بتاريخ تلك الواقعة.... أفتوني في تلك الواقعة، وجزاكم الله عني كل خير؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد روى النسائي وأبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك، فهو ضامن. قال المناوي في فيض القدير: من تطبب ولم يعلم منه طب، أي من تعاطى الطب ولم يسبق له تجربة ولفظ التفعل يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بكلفة ككونه ليس من أهله (فهو ضامن) لمن طبه بالدية إن مات بسببه لتهوره بإقدامه على ما يقتل.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد: ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن لأنه متعد.

وعليه فإذا ثبت طبياً أن هذه المادة المذكورة إذا أعطيت لمن هو في مثل حالة الشخص المذكور تحدث الوفاة يقيناً، لزمك صيام شهرين متتابعين كفارة عن تسببك في قتل هذا الشخص خطأ، ولزمك أيضاً أداء الدية لورثة هذا الشخص إلا أن يعفوا عنك، ولا تتحمل عاقلتك -أي عصبتك من أقاربك- هذه الدية، لأن القتل ثابت بإقرارك لا بالبينة، قال ابن قدامة: لا تحمل -أي العاقلة- الاعتراف وهو أن يقر الإنسان على نفسه بقتل خطأ، أو شبه عمد فتجب الدية عليه، ولا تحمله العاقلة، ولا نعلم فيه خلافاً.

وإذا لم يثبت طبياً أن هذه المادة المذكورة إذا أعطيت لمن هو في مثل حالة الشخص المذكور تحدث الوفاة يقيناً، فلا تلزمك كفارة أو دية وعليك بالتوبة إلى الله من تعديك وتكلفك ما لا علم لك به، قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الإسراء:36}، وراجع الفتوى رقم: 6629.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني