السؤال
عندما أرفع من الركوع وأريد أن أهوي إلى السجود هل أقدم يدي على ركبتي أم العكس؟ أفيدونا بالأحاديث التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجزاكم الله خيراً.
عندما أرفع من الركوع وأريد أن أهوي إلى السجود هل أقدم يدي على ركبتي أم العكس؟ أفيدونا بالأحاديث التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في صفة الهوي إلى السجود على قولين:
الأول: تقديم الركبتين على اليدين، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.
وحجتهم في ذلك ما رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه".
قال الخطابي هو: أثبت من حديث تقديم اليدين، وهو أرفق بالمصلي وأحسن في الشكل ورأي العين" انتهى نقلا من المجموع للنووي 3/395.
وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرف أحداً رواه غير شريك، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم يرون أن الرجل يضع ركبتيه قبل يديه. وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وسكتا عنه.
لكن قال الدارقطني: تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما تفرد به. انتهى.
ولهذا حكم الألباني بضعف الحديث، وأطال الكلام في ذلك، كما في سلسلة الأحاديث الضعيفة (حديث رقم 929) وإرواء الغليل برقم 357، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
واحتج الجمهور أيضا بما روى عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: "كُنَّا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين" رواه ابن خزيمة. وفي سنده إسماعيل بن يحيى بن سلمة وهو متروك.
قال الحافظ في الفتح: وادعى ابن خُزيمة أن حديث أبى هريرة منسوخ بحديث سعد هذا ولو صح لكان قاطعاً للنزاع لكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن سهيل عن أبيه وهما ضعيفان. انتهى من الفتح، كتاب الصلاة باب: يهوي بالتكبير حين يسجد واحتجوا أيضا بما رواه الأثرم من حديث أبى هريرة بلفظ "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل".
قال الحافظ في الفتح: ولكن إسناده ضعيف.
والحديث أخرجه أيضا ابن أبى شيبة والطحاوي والبيهقي، وقال عنه الألباني: حديث باطل.
القول الثاني: تقديم اليدين على الركبتين عند الهوي إلى السجود وهو مذهب مالك والأوزاعي وأحمد في رواية. وحجتهم في ذلك:
1/ ما رواه أبو داود والنسائي والدارمي والبخاري في التاريخ وأحمد من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه".
قال النووي: إسناده جيد. وصححه عبد الحق في الأحكام الكبرى. وأطال الألباني الكلام في تصحيحه والرد على من أعله (انظر السلسلة الضعيفة وإرواء الغليل).
وقال ابن القيم (فالحديث ـ والله أعلم ـ قد وقع فيه وهم من بعض الرواة فإن أوله يخالف آخره، فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، فإن البعير إنما يضع يديه أولاً).
وقال (وكان يقع لي أن حديث أبى هريرة كما ذكرنا مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله، ولعله "وليضع ركبتيه قبل يديه"... حتى رأيت أبابكر بن أبى شيبة قد رواه كذلك) وذكر رواية الأثرم. وابن أبى شيبة لكنها ضعيفة كما سبق.
2/ ومن أدلة هذا القول ما رواه ابن خزيمة والدارقطني والحاكم وصححه ووافقه الذهبي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه".
3/ وما جاء عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار والدارقطني والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال الألباني في إرواء الغليل: وهو كما قالا. وصححه ابن خزيمة أيضا.
ونقل الألباني عن الحاكم قوله: القلب إليه أميل ـ يعني من حديث وائل ـ لروايات كثيرة في ذلك عن الصحابة والتابعين. انتهى.
وأثر ابن عمر رواه البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم.
هذه هي محصلة أدلة الفريقين، ولا شك في رجحان أدلة القول الثاني من حيث الثبوت وفي هذا يقول العلامة أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي 2/58 (والظاهر من أقوال العلماء في تعليل الحديثين أن حديث أبى هريرة هذا حديث صحيح، وهو أصح من حديث وائل، وهو حديث قولي يرجح على الحديث الفعلي على ما هو الأرجح عند الأصوليين) انتهى.
وقال محققا زاد المعاد: شعيب وعبد القادر الأرنؤوطيان:
(بمراجعة التعليقات السابقة يتبين أن المرجح خلاف ما ذهب إليه المصنف (ابن القيم) وأن حديث أبى هريرة هو المرجح على حديث وائل لصحة سنده، ودعوى الاضطراب فيه منتفية لضعف كل الروايات التي فيها الاضطراب" انتهى.
لكن ينبغي أن يقال هنا: إن رأي الفريق الأول أقوى من حيث النظر، فإن الجميع متفقون على الأخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير".
ولا شك أن البعير إذا برك يقدم مقدمه (يديه) على مؤخره.
فيكون الحديث دالا على تقديم الركبتين على اليدين، ولا يدفع ذلك ما نقل عن أهل اللغة من أن ركبتي البعير في يديه.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "كما يبرك" نهى عن الكيفية، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله (إن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أولاً، وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولاً، وتبقى يداه على الأرض. وهو صلى الله عليه وسلم نهى في الصلاة عن التشبه بالحيوانات، فنهى عن بروك كبروك البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشمس، فهدي المصلي مخالف لهدي الحيوانات).
وقال ابن القيم أيضا (وسر المسألة أن من تأمل بروك البعبير وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بروك كبروك البعير، علم أن حديث وائل بن حجر هو الصواب والله أعلم) أنتهى.
والحاصل أن القول بتقديم اليدين على الركبتين أقوى من حيث السند، والقول بتقديم الركبتين أقوى من حيث النظر. ومن المعلوم أن المعول عليه هو حال السند ، وعليه فالراجح ـ والله أعلم ـ هو القول بتقديم اليدين.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني