السؤال
كيف لي أن أعرف ما المقصود بنص الآية: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك؟ هل المقصود بأن الرجل الزاني إذا تزوج امرأة أخرى فهي بطريقة أو بأخرى كانت قد زنت، أم ماذا؟ وهل الزاني التائب يجب أن يعزر بالإبلاغ عن نفسه؟أفتوني، رحمكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في تفسير هذه الآية على عدة أوجه:
أحدها: أن هذه الآية نزلت في أناس استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة كن معروفات بالزنا، ففي سنن أبي داود أن مرثد ابن أبى مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها عناق، وكانت صديقته. قال: جئت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً. فسكت عني فنزلت: والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك. فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأها علي وقال: لا تنكحها.
فعلى هذا؛ فالآية لفظها لفظ الخبر، ومعناها النهي عن نكاح العفيف بالزانية أو العكس، والنكاح في الآية على هذا التفسير معناه الزواج.
الوجه الثاني من التفسير: أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، أي لا تطاوعه إلا زانية عاصية أو من هي أخس منها من المشركات، والزانية كذلك لا يزني بها إلا زان أي عاص بزناه أو مشرك. ويكون الغرض من الآية تشنيع الزنا وتشنيع أمره، وأنه محرم على المؤمنين. وعلى هذا فالنكاح في الآية معناه الجماع.
الوجه الثالث: أن الآية منسوخة بقوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ [النور: 32]. فدخلت الزانية والزاني في أيامى المسلمين فجاز نكاحها، والأيامى هم الذين لا أزواج لهم من النساء أو الرجال.
وقد اختلف العلماء في تزوج العفيف بالزانية وتزويج العفيفة بالزاني، فمنعه الإمام أحمد لهذه الآية، ولحديث مرثد المتقدم الذي نهاه فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نكاح الزانية، ورجح هذا القول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- وقال: إن الآية صريحة في ذلك.
وذهب الجمهور ومنهم مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى جوازه مع الكراهة، وأجابوا عن حديث مرثد بأن الزانية التي في الحديث كانت مشركة. وأجابوا عن الآية بجوابين:
أحدهما: أن الآية منسوخة بقوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ. كما تقدم.
والجواب الثاني: هو أن المراد بالنكاح في الآية هو الزنا بعينه، والغرض التنفير من الزنا وتقبيحه، ورجح الإمام الطبري هذا القول فقال: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: عنى بالنكاح في هذا الموضع الوطء، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات; وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أنه لم يُعْن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات، ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة، وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحلّ الزنا أو بمشركة تستحله. اهـ.
والراجح والله أعلم؛ ما ذهب إليه الجمهور من جواز تزوج الزانية مع الكراهة بعد استبراء رحمها، وأن تكون ممن يجوز نكاحها وهي المسلمة أو الكتابية.
ثم إن الزاني إذا تاب من الزنا، فعليه أن يحسن التوبة ولا يخبر أحداً بزناه، وليستتر بستر الله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: من أصاب من هذه القاذورات شيئاً، فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. يعني الحد. وفي رواية: فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. رواه الحاكم.
والله أعلم.