السؤال
إمام مسجد أسس أكاديمية تربوية دينية خاصة يقدم فيها خدمات تعليمية وتربوية للأطفال، بما في ذلك الدورات الصيفية والشتوية، مقابل رسوم مالية يدفعها أولياء الأمور، مع مراعاة أن الأسعار تتناسب مع الوضع المادي للأسر الميسورة. هل يجوز إقامة هذه الأكاديمية داخل المسجد الذي يشرف عليه الإمام، خاصة وأنه يسعى لتفادي تكلفة الإيجار لمكان مستقل لتشغيل الأكاديمية؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المساجد وقف لله سبحانه، بنيت لذكر الله، وإقامة الصلاة، فلا يحق للإمام أو غيره استغلال المساجد في إقامة نشاط تجاري خاص به -كجعله مقرًا لأكاديمية-.
جاء في الحديث عَن سليمان بن بريدة عن أبيه: أن رجلًا نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا وَجَدتَ، إنما بُنِيَتِ المساجد لما بُنِيَت له. أخرجه مسلم.
قال القرطبي في المفهم: (إنما بنيت المساجد لما بنيت له): يدل على أن الأصل ألا يُعمل في المسجد غير الصلوات، والأذكار، وقراءة القرآن؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم من يبيع في المسجد أو يبتاع فقولوا: لا أربح الله تجارتك.
وقد كره بعض أصحابنا تعليم الصبيان في المساجد، ورأى أنه من باب البيع، وهذا إذا كان بأجرة. اهـ.
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: قال المروزي: سألت أبا عبد الله -الإمام أحمد- عن الرجل يكتب بالأجر فيجلس في المسجد: فقال أما الخياط وأشباهه فما يعجبني، إنما بني المسجد ليذكر الله فيه، وكره البيع والشراء فيه، وقال في رواية الأثرم: ما يعجبني مثل الخياط، والإسكاف، وما أشبهه، وسهل في الكتابة فيه، وقال: وإن كان من غدوة إلى الليل، فليس هو كل يوم.
وقال القاضي سعد الدين الحارثي من أصحابنا: خص الكتابة لأنها نوع تحصيل للعلم في معنى الدراسة، وهذا يوجب التقييد بما لا يكون تكسبًا، وإليه أشار بقوله: فليس ذلك كل يوم ... وفي نوادر ابن الصيرفي: لا يجوز التعليم في المساجد.
وقال صالح لأبيه: تكره الخياطين في المساجد؟ قال: إي لعمري شديدًا، وكذا رواه ابن منصور، وهذا يقتضي التحريم ... وقال في رواية عبد الله: لا ينبغي أن تتخذ المساجد حوانيت ولا مقيلا ولا مبيتا، إنما بنيت للصلاة ولذكر الله. وبالمنع قال الشافعي، وإسحاق، ويقتضيه مذهب مالك وغيره... قال ابن بطة: والارتفاق بالمسجد واتخاذه للصنعة، والتجارة كالحانوت مكروه ذلك كله، والفاعل له آثم، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وتغليظه على فاعله. اهـ.
والله أعلم.