الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المساجد وقف لله سبحانه، بنيت لذكر الله، وإقامة الصلاة، فلا يحق للإمام أو غيره استغلال المساجد في إقامة نشاط تجاري خاص به -كجعله مقرًا لأكاديمية-.
جاء في الحديث عَن سليمان بن بريدة عن أبيه: أن رجلًا نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا وَجَدتَ، إنما بُنِيَتِ المساجد لما بُنِيَت له. أخرجه مسلم.
قال القرطبي في المفهم: (إنما بنيت المساجد لما بنيت له): يدل على أن الأصل ألا يُعمل في المسجد غير الصلوات، والأذكار، وقراءة القرآن؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم من يبيع في المسجد أو يبتاع فقولوا: لا أربح الله تجارتك.
وقد كره بعض أصحابنا تعليم الصبيان في المساجد، ورأى أنه من باب البيع، وهذا إذا كان بأجرة. اهـ.
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: قال المروزي: سألت أبا عبد الله -الإمام أحمد- عن الرجل يكتب بالأجر فيجلس في المسجد: فقال أما الخياط وأشباهه فما يعجبني، إنما بني المسجد ليذكر الله فيه، وكره البيع والشراء فيه، وقال في رواية الأثرم: ما يعجبني مثل الخياط، والإسكاف، وما أشبهه، وسهل في الكتابة فيه، وقال: وإن كان من غدوة إلى الليل، فليس هو كل يوم.
وقال القاضي سعد الدين الحارثي من أصحابنا: خص الكتابة لأنها نوع تحصيل للعلم في معنى الدراسة، وهذا يوجب التقييد بما لا يكون تكسبًا، وإليه أشار بقوله: فليس ذلك كل يوم ... وفي نوادر ابن الصيرفي: لا يجوز التعليم في المساجد.
وقال صالح لأبيه: تكره الخياطين في المساجد؟ قال: إي لعمري شديدًا، وكذا رواه ابن منصور، وهذا يقتضي التحريم ... وقال في رواية عبد الله: لا ينبغي أن تتخذ المساجد حوانيت ولا مقيلا ولا مبيتا، إنما بنيت للصلاة ولذكر الله. وبالمنع قال الشافعي، وإسحاق، ويقتضيه مذهب مالك وغيره... قال ابن بطة: والارتفاق بالمسجد واتخاذه للصنعة، والتجارة كالحانوت مكروه ذلك كله، والفاعل له آثم، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وتغليظه على فاعله. اهـ.
والله أعلم.