السؤال
كنت مدخنا لمدة 22 سنة وفي العشر الأواخر من رمضان أقمت الليل ودعوت الله أن يصيبني بمرض أخاف منه لو رجعت للتدخين، وقلت في سجدتي: يا رب لو أنت حقا موجود أظهر لي ذلك عندما أعود للتدخين وأعطني ذلك المرض الذي أخافه، الآن مرت ستة أشهر على توقيف التدخين وحالتي سيئة جدا، أريد الرجوع إلى التدخين وأخاف الله أن يستجيب دعوتي إن رجعت، ندمت على هذه الدعوة لأنني محتاج جدا للتدخين، وأريد حلا دينيا أو فتوى، أرجوكم ساعدوني في حل شرعي أنا أتعذب. وشكرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمخرج الوحيد والنافع بإذن الله تعالى لما أنت فيه هو أن تجاهد نفسك على الاستقامة على التوبة إلى الله تعالى، وعدم الرجوع إلى هذه العادة السيئة المضرة التي هي عادة التدخين، وتذكر دائمًا أن في العودة إلى التدخين معصية لله تعالى، -وكفى ذلك زاجرا للمؤمن- فهو حرام لما يُلحِقه بالبدن من الضرر البين، ولما فيه من تبذير نعمة المال الذي أعطاك الله تعالى بصرفه في معصية الله تعالى.
وليس من شأن التائب الصادق في توبته أن يحدث نفسه بالرجوع إلى المعصية بعد أن نجاه الله منها، ووفقه لتركها، بل الواجب عليه أن يتخذ تدابير تعينه على الاستقامة والاستمرار على لزوم التوبة، وعدم النكوص وتنكب الطريق، ومن هذه التدابير:
1ـ دعاء الله تعالى أن يرزقه الاستقامة، وأن يعينه على التمسك بدينه، فادعه سبحانه في أوقات الإجابة، وأَلِحَّ عليه في الدعاء، وتوسل إليه بالثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأظهر افتقارك واضطرارك إليه، وسله الإعانة على ترك التدخين، وترك كل ما لا يرضيه، وخير ما يُدعى به ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عيله وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي.
2ـ اجتناب أماكن المعصية وأصدقاء السوء الذين يزينون المعاصي له، ويرغبونه فيها، وفي المقابل اتخاذ رفقة صالحة من المؤمنين المستقيمين المتمسكين بالدين، فإن صحبتهم من أعظم أسباب الاستقامة والثبات على التوبة بعد الله تعالى، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وقد قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. {الكهف: 28}، فعليك أن تفتش عن هؤلاء المؤمنين، وستجدهم في رواد المساجد، فاعبد الله تعالى معهم، وتعاون معهم على فعل الخيرات، وطلب العلم النافع.
3ـ استحضار مراقبة الله دائمًا، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو القائل جل جلاله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. {الحديد: 4}. فاستحِ منه أن يراك على معصية.
هذا؛ وقد أخطأتَ خطأ فادحًا في دعائك على نفسك بالمرض إن عدت إلى معصية الله تعالى بالتدخين؛ فقد يستجيب الله تعالى هذا الدعاء إن غلبتك نفسك ورجعت إلى التدخين، فتصاب بالمرض، لا سيما وقد دعوت الله تعالى على حالة وفي زمن يستجاب فيه الدعاء، حيث دعوته ساجدًا في قيام الليل في العشر الأخير من رمضان، في الليالي التي تُلتمس فيها ليلة القدر!
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على النفس، لأنَّ هذا الدعاء قد يُستجاب، ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ - لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُم. أَيْ: لِئَلَّا تُصَادِفُوا سَاعَةَ إِجَابَةٍ وَنَيْلٍ، فَتُسْتَجَابَ دَعَوْتُكُمُ السُّوءُ.
قال الخادمي الحنفي في كتابه (بريقة محمودية): يعْنِي: لَا تَدْعُوا دُعَاءَ سَوْءٍ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُوَافِقَ دُعَاؤُكُمْ سَاعَةَ إجَابَةٍ، فَتَنْدَمُوا، وَلَا يَنْفَعُكُمْ النَّدَمُ. انتهى.
وننبهك إلى أنَّ قولك في دعائك السابق: "يا رب لو أنت حقًا موجود ..." سوء أدب عظيم مع الله تعالى، لما فيها من التحدي له سبحانه! والله تعالى لا مُكرِه له!
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى التالية: 10800، 16610، 12744.
والله أعلم.