الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إنفاق المال في سداد دين عن ميت أم إبقاؤه للاحتياجات المستقبلية؟

السؤال

توفي شاب أعرفه من بعيد، وهو متزوج وله أولاد، وتوفي غالبا بسبب المشاكل المادية، والديون التي لم يعرف كيف يسددها، وعليه دين كبير جدا، ولأشخاص كثيرين جدا، بسبب تجارته، وليست له أملاك لبيعها للتسديد، وليست له تركة، وكان يعمل في التجارة، واستدان مبالغ كبيرة على أمل أنه عندما يربح فسيسددها، لكنه توفي قبل أن يسددها، والدائنون تضرروا بشكل كبير جدا بعد وفاته، بسبب المبلغ المستدان منهم - يعادل: 600 ألف دولار لجميع الدائنين- وقد كان يريد سداد دينه، ولكنه توفي قبل أن يقوم بذلك، فسألت مؤسسات خيرية هل هناك شيء يمكن عمله لتسديد دين المتوفى؟ فلم يرد عليَّ أحد، وأنا أعمل في شركة، وأقبض حوالي: 290 دولارا، وقد عقدت النية لوجه الله، ولأن هذا الشخص لا يستطيع أن يرجع إلى الدنيا ويسدد ما عليه، وخوفا من أن يأتي يوم القيامة يحمل هذه الديون على كتفه بأنني سأحاول تسديد ما أستطيع، لأن دخلي يعتمد على عملي، فقلت في نفسي إنني أريد تسديد مثلا: 50 دولارا شهريا للدائنين دون أن يعرفني أحد، ولكنني خائفة من شيئين:
1- أن يستنقص الدائنون حجم المبلغ، لأن مبالغ الديون كبيرة، وبالتالي يضغطون على أهل المتوفى، أو يجرحونهم، وليس بأيدهم شيء، أو أن يشعر أهل المتوفى بالحرج، ويظنون أنها صدقة، وشفقة عليهم، والموضوع ليس كذلك، فلو كنت في مكان المتوفى لشعرت بهول ما سآتي به يوم القيامة.
2- أنا متخوفة من أنني قد أحمل نفسي فوق طاقتها، لأنني أجلس لأحاسبها، وأخاف أن ينقطع عملي، أو يقل الراتب، أو أن احتياجاتي قد تزيد في مرحلة ما.
علما بأنني لست متزوجة، ولا ولد لي، ولديَّ النية بأن أكفل يتيما، أريد ثواب: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين- فما العمل؟ وهل آخذ هذه الخطوة بالفعل؟ وما الذي يمكن أن ألجأ إليه لتسديد دين المتوفى؟ وأستمر في قراء الأدعية، ودائما أقول كما في الحديث: ثلاث حق على الله عونهم.... ومنهم المكاتب الذي يريد الأداء- ويشهد الله سبحانه وتعالى -وهو أعلى وأعلم- أنه -رحمه الله- كان يريد السداد، كما ألتمس منكم المشورة والنصيحة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبارك الله فيك، وجزاك خيرا على هذه النية الحسنة، فقضاء دين الميت، والمبادرة إلى ذلك، من الإحسان إليه، ما دام لم يترك وفاء، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تزال نفس ابن آدم معلقة بدينه حتى يقضى عنه. رواه الترمذي، وأحمد، واللفظ له.

والمعنى كما قال السيوطي: أي محبوسة عن مقامها الكريم، وقال العراقي: أي أمرها موقوف، لا حكم لها بنجاة، ولا هلاك، حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا؟ انتهى.

لكن يرجى أن تكون نيته، وعزمه على قضاء الديون سببا لقضاء الله عنه، فإن رحمة الله تعالى، ولطفه، وواسع جوده، كل ذلك يقتضي أن لا يؤاخذ بذلك، بل يتولى الله تعالى أصحاب الحقوق حتى يرضيهم، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى.

وعلى كل، فإن سدادك لدين الميت، أو بعضه، هو من جملة الإحسان إليه، ولك الثواب فيه، وإن رأيت أن هنالك ما هو أولى بالتقديم، أو صرف المال فيه؛ فلا حرج عليك في ترك ما عزمت عليه من سداد دين ذلك المتوفى.

وللاستشارات قسم خاص بموقعنا يمكنكم التواصل معه، وفقكم الله لكل خير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني