الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخذ العامل أطعمة من محل عمله مقابل العمل الإضافي غير مدفوع الأجر

السؤال

أعمل في محل -سوبر ماركت-، والمحل فيه ضغط شديد في العمل، والمفروض أن مدة العمل: 12 ساعة، لكننا نضطر أن نعمل: 14 ساعة، وأحيانا: 15 ساعة، وأحيانا نضطر أن نصرف من المحل -كأكل كيس شيبسي، أو شرب مياه- دون أن أحاسب عليه، لأنه لا يحاسبني على الوقت الإضافي فوق: 12 ساعة، فما رأيكم في هذا؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يخلو عملك في المحل من أحوال:

أولها: أن لا تكون مجبرا على العمل لتلك الساعات الزائدة، وفي هذه الحال ليس لك أن تأكل من بضاعة المحل شيئا نظير الزيادة التي تعملها، لأنك تعتبر متبرعا بالعمل في تلك الساعات، والأخذ من المحل دون علم صاحبه خيانة للأمانة، وقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال: 27}.

ثانيهما: أن تكون مجبرا على العمل في تلك الساعات، ولكن لو طالبت بأجرتك نظير العمل فيها لدفعها لك صاحب المحل، وفي هذه الحالة ليس لك أن تأخذ من بضاعة المحل شيئا، واطلب حقك من صاحب المحل.

ثالثها: أن تكون مجبرا على العمل في تلك الساعات، وصاحب المحل ممتنع من إعطائك حقك نظير تلك الساعات الزائدة، فإن أمكنك ترك هذا العمل، والحصول على عمل آخر، فليس لك أن تأخذ من بضاعة صاحب العمل شيئا، فاترك هذا العمل، وابحث عن مجال عمل آخر، لا تحتاج فيه إلى الحيلة للوصول إلى حقك.

رابعها: أن تكون مجبرا على العمل في تلك الساعات مع امتناع صاحب العمل من إعطائك حقك نظير تلك الساعات الزائدة، ولكنك مضطر للبقاء في العمل، ويشق عليك تركه، لصعوبة العثور على عمل آخر، ففي هذه الحال إن أمكنك أن ترفع الأمر إلى المحكمة لتأخذ حقك، فلا يجوز لك أن تأخذ من مال صاحب العمل شيئا، وخذ حقك عن طريق المحكمة.

قال ابن قدامة في المغني فيمن له حق على غيره، وامتنع من أدائه له: وَإِنْ كَانَ مَانِعًا لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَدَرَ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ بِالْحَاكِمِ، أَوْ السُّلْطَانِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ أَيْضًا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَائِهِ مِنْ وَكِيلِهِ. اهــ.

وأما إن لم يمكن أخذ الحق عن طريق المحكمة: فقد اختلف الفقهاء في حكم انتزاع حقك بنفسك منه عند الظفر بشيء من ماله، فمنهم من منع، ومنهم من أجاز بشرط أن تتحرى العدل.

قال في المغني: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِكَوْنِهِ جَاحِدًا لَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يُجِيبُهُ إلَى الْمُحَاكَمَةِ، وَلَا يُمْكِنُهُ إجْبَارُهُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ نَحْوِ هَذَا، فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ جَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمُحَدِّثُونَ لِجَوَازِ الْأَخْذِ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ، أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ، حِينَ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَتَخَرَّجُ لَنَا جَوَازُ الْأَخْذِ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، أَخَذَ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، تَحَرَّى، وَاجْتَهَدَ فِي تَقْوِيمِهِ. اهــ.

وانظر الفتوى: 28871.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني