الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسؤالك قد اشتمل على عدة أمور:
الأول: حكم أجرة الرقص والغناء المحرم: وللجواب عن هذا نقول:
إن ما يأخذه المغنون والمغنيات وأشباههم من المال المكتسب من الغناء والرقص، وما يتصل بهما من منكرات، مال حرام، لخبث وحرمة الوجوه المكتسب بها.
وليس حال هذا المال المكتسب عن طريق الغناء المحرم إلا كحال المال المكتسب عن طريق غيره من المحرمات، كالبغاء والكهانة وغيرهما.
وقد أخرج الشيخان من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن.
قال النووي معلقا على الحديث: أجمع المسلمون على تحريم حلوان الكاهن لأنه عوض عن محرم، وكذلك أجمعوا على تحريم أجرة المغنية للغناء. ا.هـ
الثاني: كيفية التخلص من هذا المال: وللجواب هنا نقول:
إنه يجب على من تحصل على هذا المال أن يتوب إلى الله من ذلك.
وهل يرد المال المكتسب إلى أصحابه إن علمهم أم يتصدق به؟ قولان لأهل العلم، فمنهم من قال يرده إلى أصحابه لأنه مال أخذ بعقد فاسد فهو لصاحبه فإن لم يعلم أصحابه تصدق به.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح المهذب: فرع: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان المالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقنطار والربط والمساجد ومصالح طريق مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء. انتهى.
ومنهم من قال يتصدق به حتى لا يجمع لصاحبه بين غرضه والمال.
قال ابن القيم: فإن قيل: فما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته ثم تابت، هل يجب عليها رد ما قبضته إلى أربابه أم يطيب لها؟ أم تتصدق به؟.
إن كان المقبوض برضى الدافع، وقد استوفى عوضه المحرم كمن عاوض على خمر أو خنزير أو على زنى أو فاحشة، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع، لأنه أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم، فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوض عنه، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان، وتيسيرا لأصحاب المعاصي، وماذا يريد الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه ويسترد ماله؟ فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به ولا يسوغ القول به، وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر، ومن أقبح القبح أن يستوفي عوضه من المزني بها ثم يرجع فيما أعطاه قهرا، وقبح هذا مستقرا في فطر جميع العقلاء فلا تأتي به شريعة، ولكن لا يطيب للقابض أكله، بل هو خبيث، كما حكم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن خبثه لخبث مكسبه لا لظلم من أخذه منه، فطريق التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة. اهـ
فعلى هذا القول وكذا القول الأول عند عدم العلم بأصحاب المال لا حرج في بناء المساجد وإفطار الصائم وغيرها من أعمال الخير من هذا المال لكن صاحبها لايؤجر على ذلك: لأن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا. وإنما يؤجر على التوبة مما اكتسب منه هذا المال.
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: أيها الناس إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يارب يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك.
الثالث: حكم صلاة الناس في المسجد الذي بني من حرام حيث إنه لا حرج في ذلك لما سبق من أن المال الحرام لا حرج في أن يصرف في بناء المساجد.
قال ابن رشد الجد المالكي: وقد قيل: إن سبيل المال الحرام الذي لا يعلم أصله سبيل الفيء لا سبيل الصدقة على المساكين. فعلى هذا القول تجوز الصلاة دون كراهة في المسجد المبني من المال المجهول أصله. اهـ. من البيان والتحصيل 18/565.
الرابع: الحج من المال الحرام
حيث إنه لا يجوز ذلك باتفاق؛ لكن إذا حصل هل يصح؟
ذهب الجمهور إلى أنه صحيح مسقط للفرض مع الإثم وعدم الأجر عليه،
قال العلامة الأبي في شرحه للحديث: فالحج بالمال الحرام صحيح أي يسقط به الفرض وهو غير متقبل، أي لا ثواب فيه.
وذهب الإمام أحمد إلى أنه باطل لا يسقط به الفرض.
والله أعلم.