الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء بالربح في مسابقة للقِمار من الاعتداء في الدعاء

السؤال

أنا شاب فقير جدًا، أعاني منذ 3 سوات، وقد درست عدة مجالات دراسة ذاتية وفشلت، وعملت ولم أجد عملًا مناسبًا لإمكانياتي الجسدية، علمًا أن الوضع في بلدي سيئ جدًا. وقد أكرمني الله بمنحة دراسية في الجامعة، ولكن التخصص لم يناسبني، فدخلت في مرض اكتئاب، وليس لدي المال للعلاج وممارسة حياتي، وقد دعوت الله لكي أربح اليناصيب في مسابقة (قمار).
فهل يجوز الدعاء (إذا كان تعديا بالإثم)؟ علماً أني إذا ربحت سوف أوزع نصف المال على الفقراء. فهل يعتبر المال رجسًا، لأني مضطر؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز لك أن تدعو الله بأن تربح في مسابقة للقمار، فهو من الاعتداء المنهي عنه في قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {الأعراف: 55}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقوله تعالى: {إنه لا يحب المعتدين}، قيل المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء، كالذي يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء وغير ذلك.
وقد روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال: يا بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء.
وعلى هذا؛ فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات. وتارة يسأل ما لا يفعله الله مثل: أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب. ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدًا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله
. اهـ.

وقال ابن القيم في بدائع الفوائد -بعد ذكره مثل ما تقدم-: فكل سؤال يناقض حكمة الله ويتضمن مناقضة شرعه وأمره أو يتضمن خلاف ما أخبر به؛ فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله. اهـ.

والدعاء بهذا الإثم الذي ذكرته في سؤالك لا يسوّغه ما تنوي من التصدق بنصفه على الفقراء؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الخير لا يتوصل إليه بما حرم الله تعالى.

ومال القمار رجس محرم كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90}.

وحيث إنك تعلم أن هذا المال حرام، فلا يحل لك أن تُقدم عليه بحجة الاضطرار، بل تسلك في دفع الضرورة السبل المشروعة، واعلم أن ما عند الله لا يطلب بمعصيته.

نسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويغنيك من فضله الواسع.

وراجع في ذلك الفتاوى: 132350، 242020، 435667.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني