السؤال
كان مشركو مكة يمنعون النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أن يجهروا بالقرآن بين الناس. ما هي الأسباب التي دعتهم إلى هذا الفعل؟ وما هو الأثر الروحي للقرآن الكريم في نفوس مستمعيه؟
كان مشركو مكة يمنعون النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أن يجهروا بالقرآن بين الناس. ما هي الأسباب التي دعتهم إلى هذا الفعل؟ وما هو الأثر الروحي للقرآن الكريم في نفوس مستمعيه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الثابت في كتب السيرة أن المشركين لم يكونوا يمنعون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الجهر بالقرآن، فقد ذكر ابن إسحاق في السيرة ما يلي: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يستمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض ما يتلو وهو يصلي يسترق السمع دونهم فرقاً منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع، ذهب خشية أذاهم ولم يستمع. اهـ.
أما الصحابة رضوان الله عليهم فلم يكونوا يجهرون بالقرآن عند الكعبة خشية أذى قريش، وأول من فعل ذلك عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-. فقد ذكر ابن إسحاق في السيرة أيضًا أن المسلمين قالوا: من يستطيع أن يجهر بالقرآن على مسامع قريش عند الكعبة، فانتدب لذلك عبد الله بن مسعود، فقال الصحابة: إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم. فقال عبد الله: دعوني فإن الله سيمنعني. ثم أتى المقام فبدأ يقرأ سورة الرحمن جهرًا، فانهالت قريش عليه بالضرب حتى أدموا وجهه. فقال له الصحابة: هذا الذي خشينا عليك. فقال لهم: والله لئن شئتم لأقومنّ غدًا في مثل هذا الموقف. فقالوا: حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون.
ولعل أهم الأسباب لابتعاد قريش عن سماع القرآن ما يشتمل عليه من الآيات التي تصرح بضلالهم وتقبيح ما هم عليه من عبادة للأصنام، بالإضافة إلى بيان ما ينتظرهم من الوعيد الشديد في الآخرة، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98]، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الحج:73، 74].
أما أثر القرآن على نفوس السامعين، فإنه سبب لشفاء النفوس من أمراضها، ومدعاة لانشراحها وصلاحها، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82].
ومن أقوى الأدلة على أهمية سماع كتاب الله تعالى، أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب سماعه من غيره. كما في صحيح البخاري عن عمرو بن مرة قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: اقرأ عليَّ. قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: فإني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت عليه سورة النساء. حتى بلغت: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41]. قال: أمسك. فإذا عيناه تذرفان.
وللاستماع لكتاب الله تعالى فوائده الجليلة التي لا يمكن حصرها ونذكر منها ما يلي:
1- شفاء الصدور من أمراضها المختلفة كما ذكرنا.
2- زيادة الإيمان وتقويته في القلب وهذا من أهم الأشياء في حياة المؤمن.
3- بعث الخشية في القلب وظهور ما يدل عليها من البكاء والحزن، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، وقال تعالى واصفًا عباده المخلصين: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58].
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني