الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان..)

السؤال

أريد تفسير آية من سورة البقرة: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون)

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد أطنب بعض المفسرين في تفسير هذه الآية، وذكر عند تفسيرها من الروايات الإسرائيلية ما ينبغي للمسلم أن يضرب عنه صفحاً. ونحن نكتفي بتحليل ما جاء في النص القرآني ولو كانت في غير ذلك فائدة للمسلم في دينه أو دنياه لأشار لها القرآن الكريم. يقول الله تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا....[البقرة:102]، هذه الآية من سورة البقرة، جاءت في سياق الحديث عن اليهود الذي بدأ من قول الله تبارك وتعالى، خِطابًا للمؤمنين: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75].

ومجمل ما ذكره المفسرون فيها باختصار: أن اليهود اتبعوا وصدقوا ما تتقوله الشياطين والفجرة على ملك سليمان، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم..وما تتقوله الشياطين على ملك سليمان، أنه لم يكن نبيًّا مرسلاً ينزل عليه الوحي من الله تعالى، وإنما كان ساحرًا يستمد العون من سحره، وأن سحره هذا هو الذي وطد له الملك وجعله يسيطر على الجن والطير والرياح، فنسبوا بذلك الكفر لسليمان، وما كفر سليمان، ولكن هؤلاء الشياطين الفجرة هم الذين كفروا؛ إذ تقوّلوا الأقاويل وأخذوا يعلمون الناس السحر من عندهم، ومن آثار ما أنزل ببابل على الملكين هاروت وماروت، مع أن هذين الملكين ما كانا يعلمان أحدًا حتى يقولا له: إنما نعلمك ما يؤدي إلى الفتنة والكفر فاعرفه واحذره، واجتنب العمل به. ولكن الناس لم يأخذوا بهذه النصيحة فاستخدموا مما تعلموه منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه. لقد كفر هؤلاء الفجرة، إذ تقوّلوا هذه الأقاويل، واتخذوا من أقاويلهم وأساطيرهم ذريعة لتعليم اليهود السحر، وما هم بضارين به أحدًا إلا بإذن الله، فهو الذي يأذن بالضر إن شاء، وإن ما يؤخذ عنهم من سحر ليضر من تعلمه في دينه ودنياه، ولا يفيد شيئًا، وهم أنفسهم يعلمون يقينًا أن من اتجه هذا الاتجاه لن يكون له حظ أو نصيب في نعيم الآخرة، ولبئس ما اختار لنفسه لو كان يعلم.ومن هذا العرض ومن النص القرآني قبله يتبين لنا أن السحر وتعلمه واستخدامه كفر، ولا يجوز تعلمه للإنسان العادي، فكيف بأنبياء الله تعالى، وأنه لا يقع شيء في هذا الكون إلا بإذن الله؛ فبإذن الله تفعل الأسباب فعلها، وتنشئ آثارها وتحقق نتائجها، كما قال تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102].

ويبدو من الآية الكريمة أنه كانت هناك قصة معروفة عن الملكين هاروت وماروت، وكان اليهود أو الشياطين يدَّعون أنهما كانا يعرفان السحر ويعلمانه للناس، ويزعمان أن هذا السحر أنزل عليهما لنشره بين الناس ليعملوا به، فنفى القرآن الكريم تلك الفرية؛ ثم بين الحقيقة، وهي أن هذين الملكين كانا هناك فتنة وابتلاء واختبارا للناس لحكمة غيبية أرادها الله سبحانه وتعالى، وأنهما كانا يقولان لكل من يأتي إليهما طالبًا منهما أن يعلماه السحر: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني