السؤال
سمعت معلومة وأرغب في أن أتأكد من مدى صحتها.
هل صحيح أن الإنسان يكتب عند الله وهو في بطن أمه إن كان شقيا أم سعيدا؟
وهل معنى ذلك أنه إن كان مكتوبا شقيا يظل طوال حياته شقيا؟ وإذا كان مكتوبا سعيدا يظل طوال حياته سعيدا؟
وهل الإنسان الذي كتب عليه الشقاء يكون شقيا في الدنيا والآخرة؟
شكرا جزيلا لكم، وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن الملك يكتب عند نفخ الروح في الجنين رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد. وشقاوته وسعادته المذكورة في الحديث يراد بها ما يتعلق بأمر الآخرة، وليست هذه الشقاوة والسعادة لازمة للعبد طيلة حياته، بل العبرة في ذلك بخاتمته، فقد يعمل العبد بعمل أهل السعادة في أول أمره، ثم يسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الشقاوة، فيستحق النار، والعكس كذلك، كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة.
والحاصل أن العبد قد يكون في أول أمره شقيا، ثم يتداركه الله برحمته، فيصير سعيدا، والعكس كذلك، وما يختم الله به للعبد لا يعلمه إلا هو، ولكن العبد مأمور أن يأخذ بأسباب السعادة، وذلك بالاستقامة على الشرع، والاجتهاد في دعاء الله تعالى.
يقول ابن القيم رحمه الله: ومما ينبغي أن يعلم أنه لا يمتنع مع الطبع والختم والقفل حصول الإيمان بأن يفك الذي ختم على القلب وطبع عليه وضرب عليه القفل ذلك الختم والطابع والقفل، ويهديه بعد ضلاله، ويعلمه بعد جهله، ويرشده بعد غيه، ويفتح قفل قلبه بمفاتيح توفيقه التي هي بيده، حتى لو كتب على جبينه الشقاوة والكفر لم يمتنع أن يمحوها، ويكتب عليه السعادة والإيمان، وقرأ قارئ عند عمر بن الخطاب: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} وعنده شاب فقال: اللهم عليها أقفالها، ومفاتيحها بيدك لا يفتحها سواك، فعرفها له عمر، وزادته عنده خيرا، وكان عمر يقول في دعائه: "اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني، واكتبني سعيدا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت" فالرب تعالى فعال لما يريد لا حجر عليه. انتهى
فعلى العبد أن يسدد، ويقارب، ويعلم أنه ميسر لما خلق له، فيجتهد في طاعة ربه تعالى، ويخشى سوء الخاتمة، ويعلق قلبه بربه عز وجل، ويجتهد في دعائه أن يختم له بخاتمة السعادة.
والله أعلم.