السؤال
أنا بنت ملتزمة بالدين، والحمد لله، ولكن هنالك مشكلة، وهي أبي.
أبي لا يصلي، ولا يصوم، وغالبا يكفر بالله عند غضبه من أمر ما، أو عند سماعه صراخ إخوتي الصغار، أنا لا أتحمل كفره، وأشعر بأن علي أن أصده بكلامي، ولكنني أتذكر أنه أبي، ويجب علي أن أبره مهما فعل. صراحة، لست متعلقة بوالدي كثيرا، ولكن أخشى عليه أن يموت كافرا، وأود كثيرا أن يلتزم بالدين، مع العلم أنه يحب سماع الخطب الدينية، ولكنه لا يطبق ما يسمعه، ويعود ليكفر، هو غير متمسك بالدين، ولا يأبه له، إلا أنه يذكر الله في مواقف الدهشة، وفي المصائب التي تحدث، وأنا أسعى بأن يتقرب إلى الله عز وجل، ولكن أخاطب نفسي وأقول: إن كان هو مصرا على الضلالة: فكيف سيهديه الله؟!
الصراحة أنا لا أفهم أبي كثيرا؛ لأنه في هذه الحالة أربكني وحيرني. ماذا أفعل معه؟ ولأنني أنا فقط في العائلة من يرغب أبي بشدة في الدين.
وأريد أن أسأل أيضا: إذا ظل أبي مصرا على أن يتجاهلني هل أتركه في حاله أم أظل وراءه؟ وماذا أفعل إن بقي على حاله؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
وأتمنى أن تدعو له بالهداية إلى الحق، وأن يصبح ملتزما بالدين.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهدي أباك صراطه المستقيم، وأن يرده إلى دينه ردا جميلا. ونشكرك على حرصك على هدايته إلى الحق، وهذا من أعظم البر والإحسان إليه، الذي أمر به الشرع الحكيم في قوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}.
ونرجو أن يجعك الله تعالى سببا لهدايته، وفي ذلك من الأجر العظيم ما فيه، روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي -رضي الله عنه- حين بعثه إلى خيبر: فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
وقلوب العباد بيد الله تعالى, وهو سبحانه يهدي من يشاء. وأمر هدايته من عدمها إنما هو إلى الله سبحانه، وما عليك إلا أن تبذلي الأسباب.
ومن أهم ما ينبغي أن تحرصي عليه الدعاء له، فالله سبحانه أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، كما قال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 119608.
وابذلي له النصح بالحسنى، فإنه الوالد، والإنكار على الوالد ليس كالإنكار على غيره، كما هو موضح في الفتوى رقم: 134356 وإذا كنت تعلمين من العلماء والفضلاء من ترجين أن يسمع قوله، فسلطيه عليه.
وإن أديت ما عليك من الأسباب، فما عليك أن يهتدي أو لا يهتدي، قال تعالى: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {النحل:35}، وهكذا أتباع الرسل.
ومن المهم الاستمرار في النصح ما رجي أن ينفع النصح، وربما إذا أتى النصح من غيرك ممن له مكانة عنده، كان أجدى وأنفع، وإذا خشيتم أن لا يجدي نفعا، وربما زاده عنادا، فالأولى تركه، قال الله تبارك وتعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى {الأعلى:9}.
جاء في تفسير السعدي لهذه الآية قوله: فذكر بشرع الله وآياته، إن نفعت الذكرى، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة ـ سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه ـ ومفهوم الآية: أنه إن لم تنفع الذكرى ـ بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير ـ لم تكن الذكرى مأموراً بها، بل منهياً عنها. اهـ.
والله أعلم.