السؤال
كنت قد نقلت الفتوى رقم: 130086، من موقعكم، وقد ذكرتم فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تُقبل له صلاة أربعين يوما ـ وما وجدته من كلام اللجنة الدائمة للإفتاء أنهم ذكروا أن رواية: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ـ في صحيح مسلم لم يذكر فيها: فصدقه ـ على هذا الرابط : https://islamqa.info/ar/112069
ولكنني أيضا وجدت حديثا صححه الألباني وهو: مَن أَتَى عَرَّافًا فسأله عن شيءٍ فصَدَّقَهُ بما قال، لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أَرْبَعِينَ يومًا ـ فهل تلك الرواية ثابتة في صحيح مسلم؟ وكيف نجمع بين الأحاديث؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة: فصدقه ـ ليست في النسخ الموجودة عندنا من صحيح مسلم، ولكنا وجدناها معزوة لصحيح مسلم في بعض كتب أهل العلم قديما، منها كتاب الترغيب والترهيب للمنذري، ورياض الصالحين للنووي، ومنتقى الأخبار لابن تيمية الجد وفتاوى الرملي، والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي، وغذاء الألباب للسفاريني، وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد صحح الشيخ الألباني في غاية المرام حديث: من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه بما قال، لم تقبل له صلاة أربعين يوما. وقال فيه: صحيح أخرجه مسلم وأحمد والبخاري في التاريخ الصغير. اهـ.
فلعل كاتب الفتوى نقلها بواسطة أحد هذه الكتب، وقد رد الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد عبد الوهاب على جده مؤلف كتاب التوحيد نسبتها لمسلم في تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ص: 347 ـ فقال: هذا الحديث رواه مسلم كما قال المصنف، ولفظه: حدثنا محمد بن المثنى العنْزي، ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله ـ في نسخة: عبد الله ـ عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا وليلة ـ هكذا رواه، وليس فيه: فصدقه. اهـ.
وقد أورد الشيخ الألباني في كتابه التوسل أنواعه وأحكامه ص: 25ـ رواية: من أتى عرافاً، فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ـ وعزاها لمسلم في صحيحه.
وزيادة: فصدقه ـ ثابتة في غير صحيح مسلم، فقد رواها الإمام أحمد بلفظ: من أتى عرافا فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوما. وقال الأرناؤط والألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم. اهـ.
وأما عن التوفيق بين الروايات: فقد ذكر أهل العلم أن الحال يختلف باختلاف حال من أتى العراف، فقد قال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين: اعلم أن الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وإذا أتاه الإنسان فله ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يأتيه يسأله ولا يصدقه، فثبت في صحيح مسلم أن من فعل هذا لا تقبل له صلاة أربعين يوما.
الحالة الثانية: أن يأتيه يسأله ويصدقه، فهذا كافر، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ـ ووجه كفره أن تصديقه إياه يتضمن تكذيب قول الله جل وعلا: قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ ـ لأن الكاهن يخبر عن الغيب في المستقبل، فإذا صدقته فمضمونه أنك تكذب هذه الآية، فيكون ذلك كفرا.
الحالة الثالثة: أن يسأل الكاهن ليكذبه، وإنما يسأله اختبارا، فهذا لا بأس به، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد عما أضمر له، فقال له: الدخ يعني: الدخان، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: اخسأ فلن تعدو قدرك ـ فإذا سأله ليفضحه ويكشف كذبه وحاله للناس، فإن هذا لا بأس به، بل إن هذا يكون محمودا مطلوبا، لما في ذلك من إبطال الباطل. اهـ.
والله أعلم.