الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أشكركم جزيل الشكر على جهودكم، وجزاكم الله خير الجزاء.
سؤالي: هل تجب طاعة أبي إذا كان يأمرني بمقاطعة شخص، هو متقاطع معه، وبينهما مشاكل؟
وأيضاً يأمرني بعدم تلبية دعوات الزواج، التي تأتي من هذا الشخص؟
وإذا عصيت والدي، ولبيت الدعوة ما هو حكم ذلك؟
وذلك يسبب لي ضيقا؛ لأني وعدته بالحضور، ولا أريد إغضاب والدي.
أسعدكم الله، وأنار دروبكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإن كان والدك يريد بقطع العلاقةِ الهَجْرَ بالكلية، والامتناع حتى من إلقاء السلام، أو رده؛ فإن هذا لا يجوز، وطاعة الوالدين إنما تجب في غير معصيةٍ لله تعالى؛ لحديث: لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. رواه النسائي، وليس من المعروف الأمر بهجر المسلم من غير مبرر شرعي، بل هذا من المنكر، ولا يجوز؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ. متفق عليه.

جاء في الموسوعة الفقهية: وَقَدْ عَدَّ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ هَجْرَ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ مِنَ الْكَبَائِرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّقَاطُعِ، وَالإْيذَاءِ وَالْفَسَادِ، وَثُبُوتِ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ؛ لِحَدِيثِ: مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، إِلاَّ أَنْ يَتَدَارَكَهُ اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ. اهـ.
ومعنى الهجر كما قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: معنى الهجرة هو: ترك الرجل كلام أخيه مع تلاقيهما، واجتماعهما، وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه مصارمة له، وتركه السلام عليه، وذلك أن من حق المسلم على المسلم إذا تلاقيا أن يسلم كل واحد منهما على صاحبه، فإذا تركا ذلك بالمصارمة، فقد دخلا فيما حظر الله، واستحقا العقوبة إن لم يعف الله عنهما. انتهى.
وقال الحافظ في الفتح: قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: تَزُولُ الْهِجْرَةُ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَبْرَأُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَّا بِعَوْدِهِ إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوَّلًا. وَقَالَ أَيْضًا: تَرْكُ الْكَلَامِ إِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ، لَمْ تَنْقَطِعِ الْهِجْرَةُ بِالسَّلَامِ، وَكَذَا قَالَ ابن الْقَاسِمِ. اهــ.

وإن كان والدك يريد بقطعِ العلاقةِ، قطعَ الزائد من الصلة من غير هجر، فأطع والدك؛ لأنه لم يأمرك بمعصية، وإجابة الدعوة لا تجب في غير وليمة النكاح، كما بيناه في الفتوى رقم: 319822، فإذا منعك أبوك من إجابة دعوة النكاح، فلا تطعه؛ لأن إجابتها واجبة شرعا إذا لم يكن ثَمَّ منكر، وإذا منعك من إجابة غيرها فطاعته واجبة، ويمكنك أن تعتذر للداعي بأسلوب حسن، وطريقة مناسبة، وانظر للأهمية الفتوى رقم: 76303 عن ضوابط وجوب طاعة الوالدين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني