الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الحلف بالطلاق على الرحيل من السكن

السؤال

أنا مستأجر شقة من أحد الأشخاص واختلفت معه في الإيجار وقررت أن أرحل من تلك الشقة وحلفت بالطلاق أن أرحل، ولم أحدد وقتا للرحيل في ذلك الحلف ، فهل إذا لم أرحل أكون قد طلقت زوجتي أم ماذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن كنت عيَّنت وقتا للرحيل -بلفظك أو بنيَّتك- فإن يمينك تتعلق بهذا الوقت، ويقع الطلاق بمضيه دون رحيل. وأما إذا لم تعين وقتا للرحيل لا باللفظ ولا بالنية، فالراجح أن ذلك على التراخي، فلا يقع الطلاق إلا في آخر جزء من حياة الزوجين، وهذا لا يعرف إلا بموت أحدهما.

قال ابن قدامة في «المغني»: حرف "إن" موضوع للشرط، لا يقتضي زمنا، ولا يدل عليه إلا من حيث إن الفعل المعلق به من ضرورته الزمان، وما حصل ضرورة لا يتقيد بزمن معين، ولا يقتضي تعجيلا، فما علق عليه كان ‌على ‌التراخي، سواء في ذلك الإثبات والنفي. فعلى هذا؛ إذا قال: "إن لم أطلقك فأنت طالق"، ‌ولم ‌ينو ‌وقتا، ولم يطلقها، كان ذلك على التراخي، ولم يحنث بتأخيره؛ لأن كل وقت يمكن أن يفعل ما حلف عليه، فلم يفت الوقت، فإذا مات أحدهما علمنا حنثه حينئذ؛ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما، فتبين أنه وقع، إذ لم يبق من حياته ما يتسع لتطليقها. وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا ... فأما إن عين وقتا بلفظه، أو بنيته، تعين، وتعلقت يمينه به. اهـ.

وقال أيضا: إذا حلف ليفعلن شيئا، ولم يعين له وقتا بلفظه ولا بنيته، فهو على التراخي أيضا؛ فإن لفظه مطلق بالنسبة إلى الزمان كله، فلا يتقيد بدون تقييده، ولذلك لما قال الله تعالى في الساعة: {قل بلى وربى لتأتينكم}، وقال: {قل بلى وربى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم}، ولما قال: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} كان ذلك على التراخي. اهـ.

والراجح أن الزوج لا يمنع في هذه الحالة من وطء زوجته قبل الحنث، قال ابن قدامة في «المغني»: لا يمنع من وطء زوجته قبل فعل ما حلف عليه. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي. وقال سعيد بن المسيب، والحسن، والشعبي، ويحيى الأنصاري، وربيعة، ومالك، وأبو عبيد: لا يطأ حتى يفعل؛ لأن الأصل عدم الفعل، ووقوع الطلاق. وروى الأثرم عن أحمد مثل ذلك. وقال الأنصاري، وربيعة، ومالك: ‌يضرب ‌له ‌أجل ‌المولي، كما لو حلف أن لا يطأها. ولنا، أنه نكاح صحيح، لم يقع فيه طلاق ولا غيره من أسباب التحريم، فحل له الوطء فيه، كما لو قال: إن طلقتك فأنت طالق. وقولهم: الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق. قلنا: هذا الأصل لم يقتض وقوع الطلاق، فلم يقتض حكمه، ولو وقع الطلاق بعد وطئه لم يضر، كما لو طلقها ناجزا، وعلى أن الطلاق ههنا إنما يقع فى زمن لا يمكن الوطء بعده، بخلاف قوله: إن وطئتك فأنت طالق. اهـ.

وانظر الفتوى: 32605.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني