الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخصام مع الأخ الذي اعتدى على أخيه في الماضي

السؤال

لي أخ اعتدى عليّ جنسيًا وأنا صغير، ولا أستطيع نسيان ذلك، وأكرهه، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي آخذ بحقي، فهل آثم بخصامي معه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنا ننصحك بأن تصرف ذهنك عن هذا الموضوع، وأن تستر نفسك؛ حتى لا تكون عرضة لكلام الناس، وأن تعرض عن الاسترسال مع الشيطان في هذه الأفكار.

وأما عن أخيك: فإن كان فعل ذلك وهو صغير قبل البلوغ، والتكليف، فلا مؤاخذة، ولا عقوبة عليه، لارتفاع التكليف عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل. رواه الترمذي، وغيره، وصححه الشيخ الألباني.

وإن كان حصل ذلك منه بعد بلوغه، فقد عصى معصية عظيمة، تجب عليه التوبة منها.

وأما عن التعامل معه الآن: فينبغي التفصيل فيه، فإن كان تاب مما حصل منه من النزوة الشيطانية، فننصح بعدم تذكيره بالموضوع، وعدم خصامه، ومقاطعته، فقد نهى الشرع عن التدابر، والهجران بين المسلمين بغير حق، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. رواه مسلم.

وإن تأكدت من كونه لم يتب، ولا يزال مصرًّا على المعصية، فيشرع لك هجره، ومقاطعته ما دام مصرًّا على المعاصي، ولا سيما إن كنت تخشى حصول محرم بمخالطتك له، فقد قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

وقد تكلمنا بالتفصيل على هجر أصحاب المعاصي المصرين عليها في الفتوى رقم: 119581.

وإن كنت تقصد بالخصام رفع دعوى قضائية ضده، فإن دعواك فيما لا توجد عندك فيه بينة تعتبر قذفًا، وحد القاذف أن يجلد القاذف ثمانين جلدة، إذا لم يأت بأربعة شهود يشهدون على صحة ما قال؛ لقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة {النور:4}.

بل إن الشخص قد يستحق الجلد بمجرد التعريض بغيره، فقد أخرج مالك في الموطأ: عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان الأنصاري، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن: أن رجلين استبا في زمان عمر بن الخطاب، فقال أحدهما للآخر: والله ما أبي بزان, ولا أمي بزانية, فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب, فقال قائل: مدح أباه وأمه، وقال الآخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا, نرى أن تجلده الحد, فجلده عمر الحد ثمانين. وأخرجه الدارقطني من طريق يحيى بن سعيد عن أبي الرجال به، قال الألباني: وهذا إسناد صحيح.

وعليه؛ فإنك بذلك تكون عرضت نفسك لورطة لا تكون رابحًا فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني