الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الابن من أمه إن ارتكبت إثما

السؤال

أنا شاب و أمي ترملت من أبي منذ تسع سنوات، و قد رابني سلوكها منذ عدة أعوام، ولكني لم أرد إجلالا لها الوقوع فيها، إلي أن نسيت هاتفها يوما ففوجئت برسائل سيئة بينها وبين أحدهم.
وعلمت بأن أمي تزوجت عرفيا وعند مواجهتا أنكرت وحلفت كذبا بأن ذلك لم يحدث فهجرتها فعادت وأقرت بما حدث، وقد كنت سألتها قبل ذلك بأشهر وأذنت لها بالزواج الشرعي، وأن ليس عليها الخوف على مشاعري قبل تجسسي على هاتفها والذي كان لعظم الشك وظهور ما يوغر الصدر، وقد قالت نصا بأنها سيدة كبيرة ولا تفكر في ذلك، فأنكرت علي ذلك وبحثت فوجدت ذلك لا يجوز مني، فاشترطت عليها إما الزواج الرسمي بعقد سليم أو طلاق وكان ذلك بحضور ابن خالتي كشاهد.
وقد أخبرتني بعلم خالتي والتي كانت تشجعها على الزواج وأن زميلاتها في العمل يعلمون، وادعت بأنها استفت دار إفتاء الأزهر ثلاثة أشخاص "شيوخ" مختلفين وأفتوها بجواز الزواج بغير ولي وعرفيا لكي لا أخضع للخدمة العسكرية؛ لأني معفي لكوني عائلا لوالدتي، ولأن الذي تزوجته متزوج، وأصررت أنا على أن ذلك لا يجوز وهو زنا ولا شأن لها عندي سوى ما خيرتها به، وأن عليها ترك العمل أيضا، فقبلت بالطلاق وقالت لي إن الطلاق تم بشهود ولا يوجد ورق رسمي لذلك؛ لأن الزواج العرفي يفسخ شفاهة وبتقطيع العقود، وأن الرجل يعمل في إدارة مختلفة ولا سبيل للتواصل بينهم مرة أخرى، وأبت ترك العمل وتعهدت بألا يحدث منها شيء، فوضحت إن حدث منها ما يريب سوف أمنعها عن الخروج والعمل، ومن أيام دخلت المنزل في موعد باكر عن المعتاد لأجد عندها فتاة تنزع شعر الوجه والجسد وتضع لها طلاء الأظافر، فادعت بأن هذه الفتاة جاءت مصادفة وأنها لم تبيت النية لذلك، لاحقا عادت واعترفت بأنها والفتاة قد اتفقوا على ذلك ولم يكن مصادفة، ولقد ضاق ذرعي بذلك ولم أظنها إلا كاذبة فما كان مني إلا تهديدي لها بالقتل وأيا يكن الشخص الذي هي على علاقة به، وأخطرت ابن خالتي بذلك، فتواصل معها واشترط عليها إحضار ورقة طلاق من الرجل وإلا حبستها في المنزل ومنعتها من العمل، فأصرت على أنها لم ترتكب شيئا ولكن ما كان ذلك إلا اهتماما بنفسها لأنها ترى أنه لا يجوز أن تمشي وقد كسى وجهها الشعر، وأبت أن تطلب من الرجل ورقة طلاق مكتوبة بشهود لحدوث الطلاق الشفهي منذ حوالي 8 شهور، وقد قالت بأن الرجل يتصل بها كل عدة أشهر للاطمئنان عليها، وقد أثارني ذلك جدا فسببت أمه ـ سبة منكرة ـ لأني قد نهيتها عن التواصل مع الرجال في غير مصلحة العمل أو الضرورة، و لم أرد قبلا أن أجهل عليها وأجبرها على ما أحسست أنها لن تطيق، وقد يفسد عليها شأنها من ترك العمل بدون رضا منها، فلم أجد بدا غير تغيير أقفال المنزل، وقد قمت بحبسها في كل لحظة لا أكون فيها في المنزل، وحين ذهابي للعمل لمنعها من الخروج، فما كان من خالتي إلا أن حادثتني هاتفيا واتهمتني بالظلم و الأنانية وأني لم أحفظ حق أمي، وإنها ستحملني مسئولية ما قد يقع لها من ضرر إن ماتت بسبب تأثرها بقراري.
وأنا الآن في حيرة من أمري هل أهجر أمي وأشهد عليها خالي و أبناء خالتي وأسقط عن نفسي طاعتها لئلا أرتكب جريمة و أقتلها، مما يسيئني من أمرها هذا ومن شكي فيها وفي خلقها وأسافر للعمل في بلد آخر.
أم أظل على حبسها ومنعها من العمل وأمنعها من التواصل مع الناس إلا بإذني وبعلمي، وفي الأمرين حرج كبير علي خصوصا أن أمي قد تولت أمري وأنفقت على تعليمي وتربيتي بعد وفاة أبي، ولها علي ما لا يمكن أن أنكره و أشعر برمح في صدري وأني كسير الكبرياء والرأس لعلمي بهذا الأمر منها، ولم أعد أحترمها في قرارة نفسي ولا أثق بها لتكرار حلفها بهتانا وزورا وكذبها علي، هذه المرة عندما هددتها بإخبار أخيها وابن أختها بما فعلت قالت أخبرهما لم أفعل خطأ.
أرجو النصح والإفتاء بخير الحلول، خصوصا وقد عزفت عن الزواج من ريبتي في النساء، ولا أعلم ما أصلح الأمور وإن كنت أميل لهجرها؛ لأني لا أطيق العيش معها.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي يظهر من حال أمك أنها على عكس ما ظننت بها وأنها سعت في سبيل العفاف واجتناب الحرام بهذا الزواج الذي ذكرته لك وسميته أنت بالزواج العرفي بغير ولي، وأنها أخفته لاعتبارات معينة.

واشتراط الولي في الزواج محل خلاف بين الفقهاء، فالجمهور على أن الولي شرط وأنه إذا افتقد كان الزواج باطلا، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى صحة الزواج بغير ولي، وأن المرأة البالغة الرشيدة لها أن تزوج نفسها، والقول الراجح عندنا هو قول الجمهور، ولكن مع ذلك فإننا نرى أن للعامي أن يقلد من يرى أن الزواج إذا تم بغير ولي يمضي تقليدا لمن ذهب إلى ذلك أن الزواج يمضي ولا يجب فسخه، وراجع الفتوى رقم: 98057.

والزواج العرفي إن قصد به مجرد عدم التوثيق فإن ذلك لا يجعله زواجا باطلا، فالتوثيق لا يجب فضلا عن أن يكون شرطا لصحة الزواج، ولكنه مهم من أجل حفظ الحقوق وقطع أسباب النزاع، وراجع الفتوى رقم: 5962، والفتوى رقم: 110361.

والحاصل أن أمك قد لا تكون كذبت عليك أصلا - فيما يبدو لنا - وأنك قد جنيت عليها واتهمتها بما لم يكن منها أصلا فالواجب عليك التوبة واستسماحها.

ثم إنه على فرض أنها قد ارتكبت إثما فالواجب نصحها بالحسنى، والعمل على منعها من المنكر، هذا مع العلم بأن الإنكار على الوالدين ليس كالإنكار على غيرهما كما بينا في الفتوى رقم: 134356، وإذا كان أمر الإنكار عليهما كذلك فكيف تفكر في قتل أمك فضلا عن أن تقدم عليه بالفعل.

وبخصوص هجر الوالدين عند إصرارهما على منكر راجع الفتوى رقم: 277681.

وأما الحبس ونحوه فلا حرج فيه إن تعين طريقا لمنعها من الفجور، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: مسألة: في امرأة متزوجة بزوج كامل ولها أولاد فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور فلما ظهر أمرها سعت في مفارقة الزوج: فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل؟ وهل عليهم إثم في قطعها؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرا؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم؟

الجواب: الحمد لله الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات فإن لم تمتنع إلا بالحبس حبسوها وإن احتاجت إلى القيد قيدوها وما ينبغي للولد أن يضرب أمه وأما برها فليس لهم أن يمنعوها برها ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء بل يمنعوها بحسب قدرتهم وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره وعليهم الإثم في ذلك. اهـ.

ومن المنكر ما قمت به من سب أم ذلك الرجل، فهذا أمر محرم، ونذكر هنا بما روى البخاري ومسلم - واللفظ لمسلم - عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه» قالوا: يا رسول الله، هل يشتم الرجل والديه؟ قال: «نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه».

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني