السؤال
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ـ علمت أن الله سبحانه لم يقدر الذنوب على بني آدم، وإنما جعل لهم الحرية والاختيار، وعندما قرأت الجزء الأخير من هذا الحديث حصل لي التباس، فهل معنى الجزء الأخير أننا لو لم نذنب لجاء الله بقوم يذنبون: أي يكتب عليهم الذنب فيقع منهم؟ أم لها تفسير آخر؟ وما هو شرح الحديث؟ وهل يقصد به أننا لو لم نستغفر بعد الذنب لذهب الله بنا وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون؟.
وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما يفعل العبد من حسنة أو سيئة، وطاعة أو معصية، إنما هو بقضاء الله وقدره، والإيمان بذلك ركن من أركان الإيمان، ولا يتنافى هذا مع كون المخطئ يستحق اللوم والعقاب، وكذلك لا يتنافى مع كونه فاعلا مختارا، فإن الله تعالى خلق للعبد إرادة، ووهبه عقلا، وأعطاه قدرة بها يكون مكتسبا لأعماله، ومستحقا للثواب أو العقاب، وقد سبق بيان بطلان الاحتجاج بالقدر على اقتراف المعاصي، في الفتاوى التالية أرقامها: 8653، 38356، 49314، 68606، 47098.
وأما معنى الحديث: فقد شرحه المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، حيث قال: قوله: لو لم تذنبوا ـ أي أيها المكلفون، أو أيها المؤمنون: لذهب الله بكم ـ الباء للتعدية، كما في قوله: ولجاء بقوم ـ أي لأذهبكم وأفناكم، وأظهر قومًا آخرين من جنسكم، أو من غيركم: يذنبون ـ أي يمكن وقوع الذنب منهم ويقع بالفعل عن بعضهم: فيستغفرون الله ـ أي فيتوبون أو يطلبون المغفرة مطلقًا: فيغفر لهم ـ لاقتضاء صفة الغفار، والغفور ذلك، ولذا قال الله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً {نوح: 10} ولاستلزام هذه الصفة الإلهية وجود المعصية في الأفراد البشرية، والمعنى لو كنتم معصومين كالملائكة لذهب بكم، وجاء بمن يأتي منهم الذنوب، لئلا يتعطل صفات الغفران والعفو، فلا تجرئة فيه على الانهماك في الذنوب، قال التوربشتي: لم يرد هذا الحديث مورد تسلية المنهمكين في الذنوب وتوهين أمرها على النفوس وقلة الاحتفال منهم بمواقعتها على ما يتوهمه أهل الغرة بالله، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب واسترسال نفوسهم فيها، بل ورد مورد البيان لعفو الله عن المذنبين وحسن التجاوز عنهم، ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار، والمعنى المراد من الحديث هو إن الله تعالى كما أحب أن يحسن إلى المحسن أحب أن يتجاوز عن المسيء، وقد دل على ذلك غير واحد من أسمائه الغفار الحليم التواب العفو، فلم يكن ليجعل العباد شأنًا واحدًا كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب، بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالاً إلى الهوى مفتتنًا ومتلبسًا بما يقتضيه، ثم يكلفه التوقي عنه ويحذره عن مداناته ويعرفه التوبة بعد الابتلاء، فإن وفى فأجره على الله، وإن اخطأ الطريق فالتوبة بين يديه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنب، فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة، فإن الغفار يستدعي مغفورًا، كما أن الرزاق يستدعي مرزوقًا. انتهى.
والله أعلم.