السؤال
كيف نجمع بين حديث رواه ابن حبان: لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة. فإن كان صاحبها سدد، وقارب؛ فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع، فلا تعدوه.
وحديث رواه ابن ماجه: يوشك أن تعرفوا أهل الجنة، من أهل النار. قالوا: بم ذاك؟ قال صلى الله عليه وسلم: بالثناء الحسن، والثناء السيئ، أنتم شهداء الله بعضكم على بعض.
في الحديث الأول: فلا تعدوه، والثاني: أنتم شهداء؟ وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وإن أشير إليه بالأصابع. أنه أثني عليه ثناء حسنًا، وشهد له بذلك، كما هو مفهوم الحديث الآخر.
وإنما المراد به، كما قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: أَيِ اجْتَهَدَ، وَبَالَغَ فِي العمل ليصير مشهورًا بالعبادة، والزهد، وصار مَشْهُورًا مُشَارًا إِلَيْهِ (فَلَا تَعُدُّوهُ) أَيْ لَا تعتدوا به، ولا تحسبوا مِنَ الصَّالِحِينَ لِكَوْنِهِ مُرَائِيًا. انتهى.
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الحسن البصري معنى آخر لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ) حيث قال -رحمه الله- كما في جامع المسائل: وفي السنن عنه أنه قال: "لكل عامل شِرَّةٌ، وفتر، فمن كانت فترته إلى سُنَّة، فقد اهتدى، ومن أخطأَها فقد ضَلَّ". وفي لفظ: "ولكل شِرَّةٍ فَتْرَ؛ فإن [كان] صاحبها سَدَّدَ، وقارب، فارجوه، وإن أُشير إليه بالأصابع، فلا تَعُدُّوهُ". فقيل للحسن البصري لما رَوَى هذا الحديث: "إنَّك إذا مَرَرت بالسُّوق، فإنَّ النَّاس يُشِيرون إليك؟ فقال: "لم يُرِد ذلك، وإنما أرادَ المُبْتَدِع في دينه، والفاجر في دنياه". وهو كما قال الحسن -رضي الله عنه- فإنَّ من الناس من يكون له شدَّة، ونشاط، وحدة، واجتهاد عظيم في العبادة، ثم لا بُدَّ من فُتُور في ذلك. وهم في الفَتْرَة نوعان: منهم: من يلزم السنَّة، فلا يترك ما أمر به، ولا يفعل ما نُهِيَ عنه، بل يلزم عبادة الله إلى الممات؛ كما قال تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ {الحجر:99}، يعني الموتَ، قال الحسن البصري: لم يَجْعَل الله لعباده المؤمنين أجلاً دون الموت. ومنهم: من يخرج إلى البدعة في دينه، أو فُجُور في دنياه حتى يُشير إليه الناس، فيقال: هذا كان مجتهدًا في الدِّين، ثم صار كذا وكذا. انتهى.والله أعلم.