السؤال
قرأت أنه لايصح السفر إلى المدينة المنورة بغرض زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه لزيارة مسجده، فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك، فلماذا نسافر إلى المسجد النبوى للصلاة فيه، والصلاة فيه بألف صلاة، ونترك المسجد الحرام الذي الصلاة فيه بمائة ألف صلاة؟ فعندئذ لاداعي للسفر للمدينة، لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تصله أينما كان المصلي عليه، فالأفضل السفر إلى مكة بدلا من المدينة لتحصيل الأجر الزائد، فهل هذا معقول؟ فقد درج المسلمون من سالف الأيام على السفر إلى المدينة لزيارة نبيهم الحبيب الشفيع صلى الله عليه وسلم، ومن ثم الصلاة في مسجده، وهناك أحاديث ترغب في زيارته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة من مسائل النزاع المشهورة، فقد ذهب كثير من أهل العلم أو أكثرهم إلى استحباب قصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة، وذهب بعضهم إلى المنع من شد الرحال لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم، ونصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وأيده بما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى.
وكتب شيخ الإسلام في ذلك مصنفات عدة، وسبقه إلى هذا القول القاضي عياض وأبو محمد الجويني ـ والد إمام الحرمين ـ وابن بطة، وابن عقيل من الحنابلة، ورد على شيخ الإسلام معاصروه كالسبكي، وعلى السبكي رد ابن عبد الهادي تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: الصارم المنكي في الرد على السبكي ـ والحاصل أن المسألة من مسائل النزاع المشهورة، وبسط حجج الفريقين واستيفاء ما لهم من المآخذ يطول جدا فعليك بمظانه، والذي نختاره في موقعنا هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ ومن وافقه من أن شد الرحل لزيارة قبره الشريف غير مشروع، وانظر الفتوى رقم: 33931.
وإنما يشد الرحل لزيارة مسجده الشريف ثم تكون زيارة القبر تابعة لزيارة المسجد، وليس معنى هذا أن زيارة القبر الشريف غير مشروعة، بل زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم مسنونة إذا وجد الشخص بالمدينة النبوية على ساكنها الصلاة والسلام، فهو يشد الرحل لزيارة المسجد، فإذا صار في المدينة زار قبره صلى الله عليه وسلم تبعا لزيارة المسجد، وليس كون الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بألف صلاة مرغبا عن زيارة مسجده الشريف، بل هذا من أعظم المرغبات فيها وإن كانت الصلاة في مكة أعظم أجرا وأكثر مثوبة، لكن المسلم تتوق نفسه لزيارة مسجده الشريف صلى الله عليه وسلم مع ما له في ذلك من الأجر العظيم، وأما ما جاء من الأحاديث في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم أو زيارته بعد وفاته، فكلها من قسم المردود، ولا يثبت منها شيء كما حقق ذلك ابن عبد الهادي أتم تحقيق في الصارم المنكي، فانظره إن شئت.
والحاصل أن هذه المسألة من مسائل النزاع، والمفتى به عندنا هو ما ذكرناه لك، وعمدتنا في ذلك الحديث المتفق على صحته، وسلفنا في ذلك هو من سمينا من العلماء، ومن بدا له صحة قول فعمل به أو قلد عالما ثقة يفتي به، فلا تثريب عليه إن شاء الله.
والله أعلم.