الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الراجح المفتى به عندنا هو ــ كما ذكرتَ ــ وجوب قراءة المأموم الفاتحة، وإن كان الإمام يقرأ السورة بعدها في الصلاة الجهرية، ثم إذا انتهى المأموم من الفاتحة، أنصت إلى قراءة الإمام، وقد بيناه مفصلاً في الفتوى رقم: 277168.
وأما مسألة الاستفتاح: فالمفتى به فيها عندنا: أنه لا يشرع للمأموم الاستفتاح والإمام يقرأ، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، ويمكن للفائدة مراجعة الفتويين: 136657، 218731.
أما ما ذكرتَ من الاستعاذة، والبسملة، والتأمين فإنك تأتي بها أيضاً، ولو كان الإمام يقرأ في الصلاة الجهرية، خلافاً للافتتاح، لما سنبينه إن شاء الله.
أما البسملة: فلأن الخلاف في وجوبها شهيرٌ، ومن القائلين بوجوبها الشافعية، الذين وافقناهم في وجوب قراءة المأموم الفاتحةَ. والراجح عندنا أيضاً وجوب قراءة بسملة الفاتحة، على المأموم، كما رجحوه، كما في الفتوى رقم: 20853.
وراجع للفائدة الفتويين: 36312، 104048.
وأما الاستعاذة: فلأنها تابعةٌ للقراءة، وقد أسقطها أهل العلم عن المأموم، تبعاً لسقوط القراءة.
كما قال عبد الرحمن بن قدامة الحنبلي في شرح المقنع: ولأن الاستعاذة إنما شرعت من أجل القراءة، فإذا سقطت القراءة، سقط التبع. اهـ.
فلما لم نُسقط نحنُ المتبوعَ الذي هو قراءة الفاتحة، لم نُسقط التبع الذي هو الاستعاذة.
كما قال إسحاق بن منصور الكوسج للإمام أحمد: سُئل سفيان ــ يعني الثوري ـ أيستعيذ الإنسان خلف الإمام؟ قال: يستعيذ من يقرأ، قال أحمد: صدق. اهـ.
قال ابن المنذر في الأوسط: وذلك لأنه -يعني الثوري- كان لا يرى خلف الإمام قراءة، فأما على مذهب من يرى القراءة خلف الإمام، فإنه يستعيذ. اهـ.
وقال الإمام أحمد أيضاً: إن كان ممن يقرأ خلف الإمام -أي: فيستعيذ- قال الله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم {النحل: 98}. اهـ.
ولهذا قال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح الزاد: فإذا دخلتَ مع إمامٍ وقد انتهى مِن قراءةِ الفاتحةِ، وهو يقرأُ السُّورةَ التي بعدَ الفاتحةِ، فإنَّه يسقطُ عنك الاستفتاحُ، وتقرأُ الفاتحةَ على القولِ الرَّاجحِ، وتتعوَّذُ؛ لأنَّ التعوّذَ تابعٌ للقِراءةِ. اهـ.
وأما التأمين: فهو كالاستعاذة، تابع للقراءة.
كما قال إمام الحرمين الجويني في نهاية المطلب: ويتبع التأمينُ القراءةَ، وكما يجهر بها، يجهر بالتأمين. اهـ.
فيأتي به من قرأ الفاتحة، يسرُّ به في نفسه، تبعاً لإسراره بها.
قال النووي في شرح المهذب: قال البغوي: فلو قرأ المأموم الفاتحة مع الإمام، وفرغ منها قبل فراغه، فالأَولى أن لا يؤمِّن حتى يؤمن الإمام، وهذا الذي قاله فيه نظر، والمختار أو الصواب: أنه يؤمن لقراءة نفسه، ثم يؤمن مرة أخرى بتأمين الإمام.
قال السرخسي في الأمالي: وإذا أمن المأموم بتأمين الإمام، ثم قرأ المأموم الفاتحة، أمَّن ثانياً لقراءة نفسه، قال: فلو فرغا من الفاتحة معا، كفاه أن يؤمن مرة واحدة. اهـ.
وعبارة القليوبي في حاشية شرح منهاج النووي: ويؤمن المأموم لنفسه أيضاً، فإن فرغا معا، كفاه تأمين واحدٌ، ويسر المأموم في تأمين نفسه. اهـ.
بل القول بالإتيان به أثناءَ قراءة الإمام، أولى من القول بالإتيان بالاستعاذة أثناءَها؛ لأن التأمين أيسرُ منها، ولا يمنع الإنصات للقراءة.
ولهذا قال الإمام أحمد -وهو ممن يرى ألا يُقرأ والإمامُ يقرأ- في الإمام يقول: لا إله إلا الله، فيقول من خلفه: لا إله إلا الله، يرفعون بها أصواتهم، قال: يقولون، ولكن يخفون ذلك في أنفسهم. اهـ.
قال ابن قدامة في المغني معلقاً: وإنما لم يكره أحمد ذلك، كما كره القراءة خلف الإمام؛ لأنه يسير لا يمنع الإنصات، فجرى مجرى التأمين. اهـ.
وعلى ما ذكرناه، فالمسبوق في الصلاة الجهرية، إن دخل والإمام يقرأ السورة، فإنه يتعوذ، ويبسمل، ويتمُّ الفاتحة، ويؤمِّن سراً في نفسه، ثم ينصت لقراءة الإمام.
والله أعلم.