الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فجوابنا على سؤالك يتلخص فيما يلي:
أولا: إذا كان مال والدكم المودع في البنك، قد وجبت فيه الزكاة، في حياة والدكم، بأن توافرت فيه شروط وجوبها، ولم يقم والدكم بإخراج الزكاة، فإنه يجب عليكم إخراج تلك الزكاة؛ لأنها دين في ذمته، والدين مقدم على حق الورثة في المال.
قال صاحب الروض: ويخرج وصي، فوارث، فحاكم، الواجب كله من دين، وحج، وغيره كزكاة، ونذر، وكفارة من كل ماله بعد موته وإن لم يوص به؛ لقوله تعالى: { من بعد وصية يوصي بها أو دين} ولقول علي: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية. رواه الترمذي ... اهـ. وبعد إخراجها يقسم الورثة ما بينهم القسمة الشرعية.
ثانيا: ينظر كل وارث فيما نابه من التركة من النقود، ولن يخلو من ثلاث حالات:
1) أن لا يبلغ نصيبُه من التركة نصابا لا بنفسه، ولا بما عنده من نقود، أو ذهب، أو فضة. فإنه لا زكاة عليه فيه؛ لعدم بلوغ النصاب.
2) أن لا يبلغ نصيبه من التركة نصابا بنفسه، ولكن عنده نصاب من نقود أخرى، أو ذهب، أو فضة، وفي هذه الحال يستقبل بنصيبه من التركة حولا قمريا، ويخرج زكاته بعد مضي الحول؛ لأنه مال مستفاد من جنس ما عنده من نصاب، فيزكيه بعد حولان الحول وإن لم يبلغ نصابا بنفسه، وانظر الفتوى رقم: 176957 عن زكاة من استفاد مالا جديدا من جنس مال عنده، بالغا النصاب.
3) أن لا يبلغ نصابا بنفسه، وليس عنده نقود أخرى، أو ذهب، أو فضة تبلغ النصاب، ولكن بضم المالين -المال الموروث، وما عنده من أموال أخرى- يبلغ الجميع النصاب، وفي هذه الحال يستقبل حولا قمريا بالنصاب، ويزكيه عند حلول الحول.
ثالثا: المعتبر في بداية الحول هو دخول المال الموروث في ملك الوارث، أي وقت وفاة المورث، فيزكي كل وارث نصيبه -على التفصيل الذي تقدم- بعد حلول الحول من موت والده، ويرى المالكية أن حول المال الموروث يبدأ من قبضه.
جاء في الموسوعة الفقهية: والمال الموروث صرّح المالكيّة بأنّه لا زكاة فيه إلاّ بعد قبضه، يستقبل به الوارث حولًا، ولو كان قد أقام سنين، وسواء علم الوارث به، أو لم يعلم. اهـ.
والأول هو المفتى به عندنا، فيبدأ الحول من وفاة والدكم سواء في المال الذي استلمه، أو المال المودع في البنك، وهذا إذا كانت إمكانية قبض المال والتصرف فيه -خلال فترة إيداعه في البنك- متاحة لكم متى أردتم ذلك. وإن كان المال المودع في البنك لا يقدر الوارث على قبضه، ولا التصرف فيه، فإنه يجري فيه كلام الفقهاء في زكاة المال غير المقدور عليه، فقيل لا زكاة فيه، وقيل يزكيه عند قبضه لسنة واحدة، وقيل يزكيه عند قبضه لكل السنين، كما بيناه في الفتوى رقم: 29749.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة عن مال موروث مودع في البنك، تأخرت قسمته لأمر خارج عن إرادة الورثة: إذا كان الواقع كما ذكر، فإن الزكاة لا تجب في مال مورثكم في السنتين اللتين لم تقسم فيهما التركة؛ لعدم تمكن كل واحد من حيازة نصيبه، لأسباب خارجة عن إرادة الورثة، وبُعْدِ بعض الورثة وتفرقهم، مما كان سببا في تأخر قسمة التركة كما ذكر، فصار نصيب كل وارث في حكم المال غير المستقر، ومن شروط وجوب الزكاة: استقرار الملك، فإذا قبض كل وارث نصيبه من مورثه، وحال عليه الحول، وبلغ نصابا، فإنه يجب أن يخرج زكاته ربع العشر .... اهـ.
ويرى مجمع الفقه الإسلامي، أنه لا يأخذ حكم زكاة المال غير المقدور عليه، بل يزكيه كما لو كان عنده.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: تجب الزكاة في أرصدة الحسابات الاستثمارية، وفي أرباحها على أصحاب هذه الحسابات إذا تحققت فيها شروط الزكاة، سواء كانت طويلة الأجل، أم قصيرة الأجل، ولو لم يقع السحب من أرصدتها بتقييد من جهة الاستثمار، أو بتقييد من صاحب الحساب. اهـ.
رابعا : متى ظهر للوارث أن الزكاة وجبت في نصيبه، ولم يخرجها جهلا، أو نسيانا، وأحرى عمدا؛ فإن الزكاة لا تسقط في جميع الأحوال، وتبقى دينا في ذمته لا تبرأ إلا بإخراجها، ويجب إخراجها فورا عند المقدرة.
خامسا: لا حرج على الورثة في توكيل واحد أمين منهم، أو من غيرهم، في أن يتولى إخراج الزكاة ودفعها لمستحقيها، وانظر الفتوى رقم: 126712 عن توكيل الغير في إخراج الزكاة.
سادسا: يجوز إعطاء الزكاة للأقارب المحتاجين الذين لا تلزم المزكي نفقتهم، بل إن إعطاءها لهم أفضل من إعطائها لغيرهم؛ لما فيه من الجمع بين الصدقة، والصلة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 369 ، 9892 ، 187317 . ومع ذلك فإن إعطاءها لغير القريب، يجزئ ما دام المعطَى فقيرا.
سابعا: إعطاء الفقير القريب المؤذي، فيه كثير من الفوائد للمعطِي، والمعطَى، فهو إضافة إلى ما تقدم من اشتماله على الصدقة، والصلة يشتمل أيضا على معان مهمة منها: تأليف ذلك القريب، وإزالة ما في نفسه من ضغائن، ودفع إساءته بالحسنى، وقد قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}، ومنها كذلك الانتصار على النفس، فإنها لا تطاوع عادة في الإحسان إلى من يسيء إليها .. إلى غير ذلك.
ثامنا: ثمن السيارة التي بيعت، يقسم على الورثة، وكل وارث يضمه إلى ما عنده، ويجري فيه الكلام السابق في المال المستفاد، وكون كل وارث ينظر فيما عنده هل بلغ نصابا أم لا، ويبدأ حول هذا الثمن من يوم قبض المشتري للسيارة. والمال الموروث الذي دُفِعَ دينا لشخص، هو نصيب للورثة، فينظر كل وارث في نصيبه منه، ويضمه لما عنده، ويزكيه عن الفترة السابقة عن الدين على وفق ما تقدم، وزكاته عن الفترة بعد دفعه دينا، يجري فيه الكلام السابق في زكاة المال عند الغير هل هو مقدور عليه أم لا؟
تاسعا: حساب الزكاة يكون بالسنة القمرية، وليس بالسنة الشمسية، ولكنها لا تبطل إذا حسبت بالسنة الشمسية، وإنما يأثم الفاعل إذا فعل ذلك من غير عذر؛ لأنه يكون قد أخر الزكاة عن وقتها.
والله أعلم.