الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف، وحديث: هل نرى ربنا يوم القيامة؟

السؤال

ما هو شرح: (فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ) في حديث: (عن أنس -رضي الله عنه-: مر رسول الله في نفر من أصحابه، وصبي في الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ، فأقبلت تسعى، وتقول: ابني ابني. وسعت فأخذته، فقال القوم: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار. قال: فخفضهم رسول الله، وقال: لا، والله لا يلقي حبيبه في النار)؟ وهل من الممكن أيضا شرح موجز للحديث -بارك الله فيكم-؟
ويوجد حديث آخر عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه سلم- قال: (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق إلى المغرب، لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: بلى، والذي نفس محمد بيده رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين)، لم أفهم المثال الموجود في هذا الحديث، هل من الممكن شرح -للحديث بارك الله فيكم-؟
وآخر حديث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله: (هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا، يا رسول الله. قال: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، يا رسول الله. قال -صلى الله عليه وسلم-: (فإنكم ترونه كذلك) أيضا أريد شرح الحديث -بارك الله فيكم، وجزاكم الله كل خير-.
أنا سوري أعيش في تركيا، وهنا لا يوجد مرجعية أثق فيها، ولكن الإخوة الأتراك يقرؤون كتاب أدعية اسمه: الجوشن الكبير، ويقولون إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في إحدى الغزوات، وكان يوجد عليه درع ثقيل، فنزل عليه جبريل، وقال له: يا محمد، اخلع هذا الدرع، وخذ هذا الحرز (أي: الدعاء) هذا الدعاء طويل، ويوجد على شكل فقرات، وبين كل فقرة وفقرة مكتوب: (سبحانك لا إله إلا أنت الأمان الأمان، خلصنا من النار)، فما حكم هذا الدعاء؟ وما حكم قراءته؟ وهل هو من السنة؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث الأول: رواه أحمد، وأبو يعلى، وقال ابن كثير في تفسيره: إسناده على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وقال الهيثمي: رواه أحمد, والبزار بنحوه, وأبو يعلى, ورجالهم رجال الصحيح، وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط.

ومعنى "أن يوطأ": أن يُداس بالأقدام؛ جاء في القاموس المحيط: "وطِئَهُ، بالكسر، يَطَؤُهُ: دَاسَه. انتهى.

وعليه؛ فشرح عبارة (فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ): أي: خشيت أن يدوسه الناس بأقدامهم لصغره.

وأما باقي الحديث: فقال المناوي في فيض القدير: (والله لا يلقي الله حبيبه في النار) قال ذلك لما مر في نفر من أصحابه، وصبي في الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ، فأقبلت تسعى، وتقول: ابني ابني. فأخذته، فقالوا: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ولدها في النار. فذكره. انتهى.

وأما حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: فقوله في الحديث: الغابر، بمعنى: البعيد، والمعنى العام للمثال، كما في منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري: أي: أنهم يشاهدون عن بعد أهل المنازل العالية في الجنة، كما كانوا يشاهدون في الدنيا الكوكب البعيد في أفق السماء. انتهى. قال ابن علان في دليل الفالحين: أهل الجنة متفاوتو المنازل بحسب درجاتهم في الفضل، حتى إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم، كما قال: لتفاضل ما بينهم ..والغابر.. قال عياض: معناه الذي يبعد الغروب، وقيل: معناه الغائب، ولكن لا يحسن هنا، لأن المراد بعده عن الأرض كبعد غرف أهل الجنة عن بعضها في رأي العين. والرواية الأولى هي المشهورة. ومعنى الغابر: الذاهب. وقد فسره بقوله في الحديث: "من المشرق إلى المغرب". قال القرطبي: شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء الباقي في جانب الشرق والغرب في الاستضاءة مع البعد، وفائدة ذكر المشرق والمغرب: بيان الرفعة وشدة البعد، والمراد بالأفق: السماء. وفي رواية لمسلم: من الأفق من المشرق والمغرب. انتهى.

وللفائدة نذكر لك إيضاح باقي الحديث: وقوله: " لتفاضل ما بينهم" أي: لأن أهل الجنة يتفاضلون في مساكنهم, ومنازلهم, ودرجاتهم. "قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم" الظاهر: أنه سؤال واستفهام، والمعنى: هل تلك المنازل العالية هي منازل الأنبياء التي لا يصل إليها سواهم؟ "قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" أي: أنها ليست خاصة بالأنبياء، ولكنها للصديقين من هذه الأمة المحمدية. انتهى من منار القاري.
وأما حديث رؤية الله: فواضح؛ فالمؤمنون يرون ربهم لا يتضارون في رؤيته؛ قال النووي في شرح مسلم: وروى: تضارون بتشديد الراء، وبتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما، ومعنى المشدد: هل تضارّون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية، أو غيرها؟ لخفائه كما تفعلون أول ليلة من الشهر. ومعنى المخفف: هل يلحقكم في رؤيته ضير وهو الضرر؟

وقال ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح: في هذا الحديث الدليل الواضح على رؤية المؤمنين ربهم -عز وجل- في الآخرة، وأنهم لا يشكون في رؤيتهم، كما لا يشك أهل الدنيا في رؤية الشمس، وهذا فإنما ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلًا للرؤية؛ إذ الله -سبحانه وتعالى- لأجَل من أن يشبه بالشمس أو القمر، إنما ضرب ذلك مثلًا لإيضاح الرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي.

وقوله: (ليس دونه سحاب) يعني: أن الله سبحانه يتجلى لعباده المؤمنين تجليًا يوقع فيه بينه وبينهم كل حجاب.

وأما قصة الجوشن: فلا نعلمها تصح، بل الظاهر: أنها منكرة؛ ففي المسند، وسنن أبي داود، وغيرهما عن السائب بن يزيد: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ظاهر بين درعين يوم أحد" صححه الألباني. قال السندي: قوله: "ظاهر بين درعين" أي: أوقع الظهار بينهما، بأن جعل أحدهما ظهارا للأخرى، أو الظهار بمعنى: المعاونة، والمراد أنه لبسهما، وفيه أن التوكل لا يقتضي ترك مراعاة الأسباب.

ولا نعلم مضمون هذا الحرز، وفي الاشتغال بالأذكار الثابتة، والأدعية المأثورة كفاية، وانظر الفتوى رقم: 113189.

وقد أفتت اللجنة الدائمة بتحريم اتخاذ حرز الجوشن حرزا، فانظر الفتوى رقم: 255724 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني