السؤال
قلتم أنتم وأغلب الأئمه بأن جنس الرجال أفضل من جنس النساء بأدلة من كلام العظيم الذي قال في حديث قدسي: إذا تقرب عبدي إلي شبراً تقربت إليه ذراعا ـ فتفسدون ديننا بتفضيل الرجال تفضيلاً زائداً عن حده، وإذا كنتم تقولون يجب على المرأة طاعة زوجها، لأنه الأفضل والأكمل عقلا، إذا، فلماذا يجب على الرجل طاعة أمه الناقصة، وإلا فلن يرضى الله عنه؟ وإذا قلتم فضل عليها بالطلاق، فلها الخلع، وإذا قلتم بالطاعة بشروط كرحمتها ومراعاتها والإحسان إليها، ثم هي تلقائيا ستضعه في عينيها، وأي تفضيل تنسبونه لجنس الرجال دون النساء؟ ألم يفضل الله المرأة على الرجل بالحمل والأجر فيه وبرعاية أيتامها إن توفي زوجها، وتسابق الرسول صلى الله عليه للجنة وأمور كثيرة لا يسعني ذكرها لماذا تعمى أعين الأئمة أمام هذه الفضائل للأنثى؟ كما أن الآية الكريمة توضح أن التفضيل هو في القوة الجسمية للرجل وليست أفضلية جنسية بلا مبرر غير أنه خلق ذكر أما إذا كان استقلالا أن تخلق المرأة من ضلع أعوج فإن الله هو من خلقها لوموه هو واعترضوا عليه لا على الأنثى، والرسول يقول فيما معناه، لو علمت الغيب لاستكثرت من الخير، لكن الله هو العالم وحده سبحانه، فهل فعلا جنس الرجال أفضل؟ أريد نصا صريحا يثبت الكلام الركيك الذي تقولونه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لكِ ذنبكِ، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك، وأما السؤال: فلا نرى ضرورة لتفصيل جوابه، لأننا قد أجبناك من قبل على عدة أسئلة في هذا الموضوع، فظهر بسؤالك هذا أنك لم ترجعي إلى ما أحلناك عليه فيها! وراجعي على سبيل المثال ما أحلناك عليه في الفتوى رقم: 258556.
وخاصة الفتوى رقم: 138007، المتعلقة بموضوع المساواة بين الرجال والنساء، وتجدين في آخرها التنبيه على أن تفضيل الرجال ليس مطلقاً، فليس كل ذكر أفضل من كل أنثى، والإحالة على الفتويين رقم: 106951، ورقم: 61435.
فلا ندري ما وجه قول السائلة ـ غفر الله لها: تفسدون ديننا بتفضيل الرجال تفضيلا زائداً عن حده؟!! وكذلك قولها: أي تفضيل تنسبونه لجنس الرجال دون النساء؟! فإنا لم نزد على ما دلت عليه الشريعة، ويكفينا في ذلك قول الله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة: 228}.
وقوله سبحانه: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى {آل عمران: 36}.
وقوله عز وجل: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ـ إلى قوله: ـ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء: 32 ـ 34}.
وهنا ننبه مرة أخرى على أن قوامة الرجل ليست تفضيلا مطلقا له، وإنما هي مسئولية وأمانة يترتب عليها حقوق وواجبات على كل طرف، قال الدكتور عبد الرحمن عبد الخالق في كتابه الزواج في ظل الإسلام: نعني بالقوامة كون الرجل مسؤولاً عن تقويم زوجته، وأن له الكلمة الأخيرة في شئون الحياة الزوجية، وهذا الأمر قد ينظر أناس إليه أنه حق للرجل، ولكن يحسن بنا أن نجعله واجباً لا حقاً، فالرجل مسئول عن زوجته، لأنها رعية استرعاه الله إياها، كما قال صلى الله عليه وسلم: والرجل في بيته راع وهو مسئول عن رعيته ـ والقوامة لا تعني التسلط والقهر ولا إنفاذ رأي الرجل صواباً كان أو خطأ، وإنما تعني حسن السياسة وإدارة دفة الحياة الزوجية على وجه الشورى والإحسان والحرص الدائم على بذل النصح والخير، والوقوف الحازم أمام الانحراف والنشوز. اهـ.
والحكمة من التفريق بين الرجل والمرأة في بعض الأحكام ظاهرة جلية، ومن تأمل الفرق بينهما في الخلقة والقدرة البدنية والنفسية، أيقن أن من عدل الإسلام ورحمته تفريقه بينهما في بعض الأحكام، ليعطي كل ذي حق حقه، ويكلفه بما يناسبه، بل إن الفطر البشرية مقرة بذلك ومطبقة له عمليا! وقد تعرض الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان لهذا الموضوع خلال بيانه لهداية القرآن للتي هي أقوم عند قوله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ {الإسراء: 9} فكان مما قال: وذلك لأن الله جل وعلا جعل الأنثى بصفاتها الخاصة بها صالحة لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنساني، صلاحا لا يصلح لها غيرها، كالحمل والوضع، والإرضاع وتربية الأولاد، وخدمة البيت، والقيام على شئونه.. وهذه الخدمات التي تقوم بها للمجتمع الإنساني داخل بيتها في ستر وصيانة، وعفاف ومحافظة على الشرف والفضيلة والقيم الإنسانية، لا تقل عن خدمة الرجل بالاكتساب. اهـ.
وقال الدكتور محمد إسماعيل في كتاب عودة الحجاب: بعد أن أعلن الإسلام موقفه الصريح من إنسانية المرأة وأهليتها وكرامتها، نظر إلى طبيعتها وما تصلح له من أعمال الحياة، فأبعدها عن كل ما يناقض تلك الطبيعة، أو يحول دون أداء رسالتها كاملة في المجتمع، ولهذا خصها ببعض الأحكام عن الرجل زيادة أو نقصانا، كما أسقط عنها ـ لذات الغرض ـ بعض الواجبات الدينية والاجتماعية كصلاة الجمعة، وهيئة الإحرام في الحج، والجهاد في غير أوقات النفير العام، وغير ذلك مما ينسجم مع فطرتها وطبيعتها، ولا يرهقها من أمرها عسرا... وما قررته الشريعة من اقتسام أعمال الزوجية بين الرجل والمرأة هو مقتضى هذه الفطرة، فقد فضل الله الرجل في خلقته بقوة في الجسم والعقل كان بها أقدر على الكسب والحماية والدفاع الخاص بالأسرة والعام للأمة والدولة، ومن ثم فرض عليه النفقة، وبهذا كان الرجال قوامين على النساء يتولون الرياسة العامة والخاصة، التي لا يقوم النظام العام ولا الخاص بدونها، فعليه جميع الأعمال الخارجية في أصل الفطرة، ومن مقتضى الفطرة أيضًا اختصاص المرأة بالحمل والرضاع وحضانة الأطفال وتربيتهم وتدبير المنزل بجميع... اهـ.
وأما طاعة الرجل لأمه في المعروف: فسببه واضح، وهو عظم حقها عليه، فهي أحق الناس بحسن صحبته، وقد أمره الله بالإحسان إليها وقرن حقه بحقها!!.
وأما الخلع: فإنه لا يقع إلا بموافقة الزوج أو حكم القاضي، بخلاف الطلاق الذي لا أثر في وقوعه لموافقة المرأة أو عدمه، وراجعي الفتوى رقم: 126259.
وأخيرا نهيب بالأخت السائلة أن تحسن أدب السؤال، ولتقل خيرا في سؤالها أو تصمت!!!.
والله أعلم.