الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى: النطفة ـ في لغة العرب: الماء الصافي أو القليل، قال الأصفهاني في المفردات: النطفة: الماء الصافي، ويعبر بها عن ماء الرجل.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: وَالنُّطْفَةُ فِي اللُّغَةِ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ:
وَمَا عَلَيْكِ إِذَا أَخْبَرْتِنِي دَنِفًا * وَغَابَ بَعْلُكِ يَوْمًا أَنْ تَعُودِينِي
وَتَجْعَلِي نُطْفَةً فِي الْقَعْبِ بَارِدَةً * وَتَغْمِسِي فَاكِ فِيهَا ثُمَّ تَسْقِينِي.
فَقَوْلُهُ: وَتَجْعَلِي نُطْفَةً، أَيْ: مَاءً قَلِيلًا فِي الْقَعْبِ، وَالْمُرَادُ بِالنُّطْفَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: نُطْفَةُ الْمَنِيِّ. اهـ
ومعنى العلقة: قطعة الدم الجامدة، وسميت علقة، لأنها تعلق بغيرها، جاء في الصحاح للجوهري: العلق: الدم الغليظ والقطعة منه علقة، وَمِنْ إِطْلَاقِ الْعَلَقِ عَلَى الدَّمِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ زُهَيْرٍ بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان وأهل بيته، كما في العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، يقول:
إِلَيْكَ أَعْمَلْتُهَا فُتْلًا مَرَافِقُهَا *شَهْرَيْنِ يَجْهُضُ مِنْ أَرْحَامِهَا الْعَلَقُ. اهـ
ومعنى المضغة: اللحمة الصغيرة، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. الْحَدِيثَ.
وجاء في تاج العروس من جواهر القاموس: والمضغة بالضم: قطعة من لحم، كما في الصحاح... وقال الأزهري: إذا صارت العلقة التي خلق منها الإنسان لحمة فهي مضغة، ومنه قوله تعالى: فخلقنا العلقة مضغة، وفي الحديث: ثم أربعين يوما مضغة، وقال زهير بن أبي سلمى:
تُلَجْلِجُ مُضْغَةً فِيهَا أنِيضٌ * أصَلَّتْ فَهْيَ تَحْتَ الكَشْحِ داءُ. اهـ
ومعنى السلالة: ما انسل من الشيء، والمراد به ما سل من صلب الرجل وترائب المرأة، وهو منيهما، جاء في تاج العروس من جواهر القاموس: والسلالة، بالضم: ما انسل من الشيء، والنطفة سلالة الإنسان، قال الله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، قال الفراء: السلالة الذي سل من كل تربة، وقال أبو الهيثم: ما سل من صلب الرجل، وترائب المرأة، كما يسل الشيء سلا، وروي عن عكرمة، أنه قال في السلالة: الماء يسل من الظهر سلا، ومنه قول الشماخ:
طَوَتْ أَحْشاءَ مُرْتِجَةٍ لِوَقْتٍ * عَلى مَشَجٍ سُلالَتُهُ مَهِينِ. اهـ
وقال القرطبي في التفسير: وَالسُّلَالَةُ صَفْوَةُ الْمَاءِ، يَعْنِي الْمَنِيَّ، وَالسُّلَالَةُ فُعَالَةٌ مِنَ السَّلِّ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ، يُقَالُ: سَلَلْتُ الشَّعْرَ مِنَ الْعَجِينِ، وَالسَّيْفَ مِنَ الْغِمْدِ فَانْسَلَّ، وَمِنْهُ قول امرئ القيس: فَسُلِّيَ ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ ـ فَالنُّطْفَةُ سُلَالَةٌ، وَالْوَلَدُ سَلِيلٌ، وَسُلَالَةٌ، عَنَى بِهِ الْمَاءَ يُسَلُّ من الظهر سلا، قال الشاعر:
فَجَاءَتْ بِهِ عَضْبَ الْأَدِيمِ غَضَنْفَرًا * سُلَالَةَ فَرْجٍ كان غير حصين.
وقال آخر: وَمَا هِنْدٌ إِلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ * سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تجللها بغل. اهـ
ومعنى الأمشاج: الأخلاط المجتمعة من الجنسين، ماء الرجل والمرأة، جاء في لسان العرب لابن منظور: المشج والمشج والمشج والمشيج كل لونين اختلطا، وقيل هو ما اختلط من حمرة وبياض، وقيل هو كل شيئين مختلطين، والجمع أمشاج مثل يتيم وأيتام، ومنه قول الهذلي سيط به مشيج، ومشجت بينهما مشجا خلطت، والشيء مشيج، ابن سيده والمشيج اختلاط ماء الرجل والمرأة، هكذا عبر عنه بالمصدر وليس بقوي، قال والصحيح أن يقال المشيج ماء الرجل يختلط بماء المرأة، وفي التنزيل العزيز: إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ـ قال الفراء: الأمشاج هي الأخلاط ماء الرجل وماء المرأة والدم والعلقة...اهـ، ومنه بيت الشماخ السابق وروده.
ومن ورود هذه الألفاظ في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح... الحديث.
والله أعلم.