الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الدعاء باللهم اجعلني كأجمل بشر خلقته في الجنة، وارزقني بأجمل الحور العين

السؤال

هل يجوز هذا الدعاء: "اللهم أدخلني جنتك الفردوس من غير عذاب، ولا حساب، اللهم اجعلني مثل شكل، وجمال أجمل بشر خلقته في الجنة، اللهم اجعلني من الوفد الأول الذين يدخلون جنتك، وتصبح وجوههم كالقمر ليلة البدر، اللهم اجعلني نفس شكل، وجمال أجمل بشر خلقته في الجنة، اللهم ارزقني بأجمل الحور العين"؟ وهل هذا الدعاء من التعدي، حيث سمعت حديثًا يقول ما معناه: سيكون في هذه الأمة من يتعدى في الدعاء، والطهارة - جزاكم الله خيرًا -؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد بينا في الفتوى رقم: 23425 ماهية الاعتداء في الدعاء.

وقال الحافظ في الفتح: الاِعْتِدَاءُ في الدُّعَاءِ يَقَعُ بزيادة الرَّفْعِ فَوْقَ الحَاجَةِ، أو بِطَلَبِ ما يَسْتَحِيلُ حُصُولُهُ شَرْعًا، أو بِطَلَبِ مَعْصِيَةٍ، أو يدعو بما لم يَؤْثَرْ خصوصًا ما وَرَدَتْ كَرَاهَتُهُ، كالسَّجْعِ اَلْمُتَكَلَّفِ. اهـ.

فأما الدعاء بدخول الجنة بغير حساب، ولا عذاب، فلا بأس به؛ ففي حديث السبعين ألف: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ» رواه مسلم.

فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على طلبه أن يسأل الله أن يكون منهم، ومثله أن تكون من الوفد الذين يدخلون الجنة على صورة القمر؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر.

وأما الدعاء: "اللهم اجعلني نفس شكل، وجمال أجمل بشر خلقته في الجنة، اللهم ارزقني بأجمل الحور العين"

فالأصل جوازه؛ لأنه ممكن غير مستحيل، بل هو واقع لخيار أهل الإيمان، ومع هذا فاجتنابه أولى، ونخشى أن يدخل في المنهي عنه؛ فعن أبي نَعَامَةَ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الْقَصْرَ الأبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أيْ بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ، وَالدُّعَاءِ. رواه أبو داود، وصححه الألباني.

جاء في مرقاة المفاتيح: وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَنْكَرَ الصَّحَابِيُّ عَلَى ابْنِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ طَمَحَ إِلَى مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عَمَلًا، وَسَأَلَ مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَجَعَلَهَا مِنَ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّجَاوُزِ عَنْ حَدِّ الْأَدَبِ، وَنَظَرُ الدَّاعِي إِلَى نَفْسِهِ بِعَيْنِ الْكَمَالِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ سَأَلَ شَيْئًا مُعَيَّنًا، فَرُبَّمَا كَانَ مُقَدَّرًا لِغَيْرِهِ، وَالِاعْتِدَاءُ فِي الدُّعَاءِ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ مَوْقِفِ الِافْتِقَارِ إِلَى بِسَاطِ الِانْبِسَاطِ، وَيَمِيلَ إِلَى أَحَدِ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَفِي غَيْرِهِ إِذَا دَعَا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ. انتهى.

والذي نوصيك به هو أن تلزم الدعاء بالمأثور؛ وراجع الفتوى رقم: 52405.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني