السؤال
قبل حوالي ثلاث سنوات تشاجرت مع أحد الأشخاص وانقطعت صلتي به لسبب دنيوي يتعلق بالعمل، حيث وجدت أن أخلاقه في التعامل سيئة جدا. وبعد الشجار تأكدت من شك كان يراودني أنه لوطي. فتأكدت بشكل قاطع أنه لوطي، ولذلك لم أرد أن أرجع علاقتي معه، حيث في إحدى المرات حاول أحد الأشخاص الصلح بيننا، لكنني رفضت، بينما هو أبدى موافقته. كما يغلب على ظني أن هذا الشخص لا يصلي، حيث في فترة صحبتي معه لم أره صلى قط، كما أنه لا يرد مسجد الحي أبدا، ولا حتى في الجمعة والأعياد.
فهل أنا آثم بمقاطعتي لهذا الشخص، وهل يتحقق في الوعيد في الحديث: (عدم صعود الأعمال، ومغفرة الذنوب) لو كان هذا الشخص يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟
أفتونا جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمقاطعتك لصاحبك لمجرد السبب الدنيوي لا تجوز؛ لأن القطيعة في غير حق شرعي حرام، وهي مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: لا تقاطعوا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله. رواه مسلم. وقال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
وأما الهجر لمصلحة دينية فيشرع إن كنت نصحته بشأن الصلاة والبعد عن الفاحشة، وخفت من التأثر السلبي به.
فقد قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ.
ويدل لمشروعية هجر أصحاب المعاصي المجاهرين بها، ما ثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن غزوة تبوك من غير عذر، كما في قصة كعب بن مالك، وصاحبيه رضي الله عنهم.
ولكن الأولى في هجر أهل المعاصي مراعاة المصلحة، وهي تارة تكون في الهجر، وذلك إن كان يحمله الهجر على ترك ما هو عليه من المعاصي، فالأفضل في هذه الحالة الهجر.
وتارة تكون المصلحة في ترك الهجر، وذلك إذا كان الهجر يحمله على تماديه وإصراره على المعاصي، فالأفضل في هذه الحالة ترك الهجر . وانظر الفتوى رقم: 14139.
وبناء عليه يعلم أنه إذا كانت المقاطعة بسبب دنيوي فهي محرمة، وإن كانت بسبب معصيته - لا لسبب دنيوي - فلا تحرم ولا تكون سببا لدخولك في الوعيد المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ, فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا, إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ, فَيُقَالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.
فذلك الوعيد لمن كانت مهاجرته لأمور الدنيا وحظوظ النفس، قال أبو داود في السنن: إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء. اهـ.
وجاء في الفروع لابن مفلح: ونقل حنبل: إذا علم من الرجل أنه مقيم على معصية، لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع، وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرا عليه، ولا جفوة من صديق. اهـ.
وإذا ثبت ترك هذا الرجل للصلاة، فتارك الصلاة مختلف في شأنه، وقد ذهب الجمهور لعدم تكفيره.
ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم: 186831، والفتوى رقم: 212992.
والله أعلم.