السؤال
أنا طالب أعزب، أسكن وحدي، مسافر للدراسة، أدرس في تخصص تطبيقي. أثناء سفري في أوقات الفراغ الطويلة أحسست بتقصير وتفريط في ما تحصل من علم شرعي لدينا من خلال الدراسة العامة والجامعية. واجهتني الكثير من التساؤلات التي لم أستطع الإجابة عليها فوجدت في هذا الطلب لذة استمررت على هذا مدة العام أسأل وأتعلم من المقاطع الموجودة على اليوتيوب للمشايخ المعروفين مثل (رياض الصالحين للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين 200 مقطع ، لمعة الاعتقاد للشيخ خالد المصلح ~10 مقاطع تقريبا ، عمدة الفقة للشيخ سعد الشثري ، وحلقات الفتاوى التي تتكلم عن القضايا المعاصرة ) وكنت أطبق تقريبا كل ما أسمع.
السؤال :
وجدت بعد هذا أثرا في أن كلماتي ونصائحي تؤثر أكثر من ذي قبل في من يسمعها حتى ووجدت مثل النغزات في صدري أثناء الصلاة توشك أن تدمع منها عيني وكذلك شيء محسوس يخرج من وجهي كلما سمعت القرآن فيرق له قلبي وقلب من يقرأ حتى لو كان ممن لا يشهد له بالصلاح ما دام يقيم حروفه ، فهل لهذا الشعور الذي أحسه أنا ويحس به من يجلس بجواري أصل ؟
النقطة الثانية أني إذا رجعت إلى بلدي وخالطت الناس كثيرا ومزحت وضحكت معهم في العزائم والولائم يقل خشوعي في الصلاة ولا أجد لها تلك اللذة المحسوسة التي كنت أحسها في الوجة والصدر والعينين حتى تتلاشى بعد أيام معدودة ، فهل لها تأصيل أو أنه من الوساوس وتلاعب الشيطان ؟
جزاكم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فلا شك أن من طلب العلم وقرأ القرآن لله تعالى أنه سيجد أثر ذلك في حياته وفي قلبه وجوارحه ويورثه الخشوع بإذن الله، ويجعل الله لكلماته أثرا في توجيه الناس وقبولا , ولكن ينبغي له أن يكون حذرا من تلبيس الشيطان، فقد يصور له الشيطان أنه بلغ المنزلة الرفيعة وصار صاحب كرامات فيخيل له أنه يخرج منه نور ونحو ذلك فيُدخل في قلبه من الاغترار والعجب ما يؤدي إلى فساده، ويحمله على التكلف وتصنع الخشوع عند الناس حتى يصير لكلامه أثر فيهم. ومداخل الشيطان في هذا كثيرة، ويُستعان على إغلاقها بالله تعالى والالتجاء إليه، فيعلم العبد أنه مهما بلغ من العلم والعمل أن ذلك بفضل الله ولو شاء الله لسلبه منه.
والخلاصة أننا نرجو أن تكون على خير إن شاء الله تعالى، واستمر في طلب العلم، وأخلص النية لله تعالى وستجد التوفيق منه سبحانه. وما تجده من الفتور عند مخالطة الناس أمر متوقع. ولما قال حنظلة الأسدي للنبي صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ: سَاعَةً وَسَاعَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رواه مسلم.
والمهم أن لا يصل الفتور إلى ترك الواجبات أو فعل المحرمات, وأقلل من مخالطة الناس حتى تحفظ دينك, جاء في حاشية الصاوي من كتب المالكية: لَا خَيْرَ فِي كَثْرَةِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ. وَلِلْحُمَيْدِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيدُ شَيْئًا سِوَى الْهَذَيَانِ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ
فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ إلَّا لِأَخْذِ الْعِلْمِ أَوْ إصْلَاحِ حَالِ .
والله تعالى أعلم.