السؤال
جزاكم الله خيرا على هذا الجهد الكبير الذي تبذلونه... إمام الجامع الذي أصلي فيه إمام كبير في السن ويصلي على كرسي وكلامه وقراءته غير مفهومين لي ولا لأغلب الناس، وعند الصلاة أجهد نفسي كثيرا لمعرفة ما يقرأ ولا أستطيع إلا معرفة القليل القليل بعد شدة التركيز... وهنا لا أحد يجرؤ على قول هذا الكلام له أو لأقاربه، لأنه كبير في السن وله مكانته ـ حسب قول العالم والعادات البالية في الشام بمحاباة المخطئ ـ وغالب الظن أنه مؤيد للنظام، وللأمانة فهو بمنتهى الأخلاق، ولكن الله أغشى بصره بالوقوف مع الظالم على المظلوم..
أرشدوني ماذا أفعل؟ وهل أقول له ـ مع احتمال الضرر لنفسي؟ أم أصلي في البيت جماعة بوالدي، والمسجد الآخر بعيدا عني، لأنني في مكان مرتفع في جبل؟ أم أصلي خلفه وأقرأ لنفسي ولا ألتفت لقراءته؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا كانت قراءة ذلك الرجل للفاتحة صحيحة ويأتي بأركان الصلاة ولا يصدر منه ما يبطلها ولم يكن على بدعة مكفرة فإن الصلاة خلفه صحيحة، والصلاة خلفه مع صحتها خير من الصلاة في البيت منفردا حتى وإن كان متلبسا ببدعة ما لم تكن بدعته من النوع المكفر ـ كما ذكرنا ـ ولما تحرج بعض الناس من الصلاة خلف الخوارج سألوا عثمان ـ رضي الله عنه ـ فحثهم على صلاة الجماعة، ولم ينههم عن الصلاة خلفهم, فقد روى البخاري في صحيحه عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ, وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ, فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ, فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ ...اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا في الصلاة خلف المبتدع جماعة في المسجد: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ إلَّا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ فَصَلَاتُهُ فِي الْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْفَاجِرِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا، لِئَلَّا يُفْضِي إلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا, وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِ الْمُبْتَدِعِ فَهُوَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ بِلَا رَيْبٍ... اهـ.
وإذا أردت أن تصلي في البيت جماعة ـ كما ذكرت ـ جاز لك ذلك، وصلاة الجماعة يحصل فضلها بأدائها في أي مكان ولو في البيت، ففضل الجماعة يدرك بصلاة اثنين فصاعداً في بيت أو صحراء أو غير ذلك من المواطن، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة, وإذا كان يحصل فضلها في البيت، فإن الصلاة جماعة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد خلف الفاسق، لكون الصلاة خلفه مختلفا في صحتها، وإذا كان ذلك الإمام لا يأتي بأركان الصلاة أو يفعل ما يبطلها أو كانت بدعته مكفرة، فإنه لا تصح الصلاة خلفه، فإن لم يمكنكم استبداله ـ كما يفهم من قولك: مع احتمال الضرر لنفسي، أو الصلاة في مسجد آخر ـ فصل في البيت ولو منفردا, وانظر الفتوى رقم: 2403915.
والله أعلم.