السؤال
أنا أحب أن أشاهد قسمي الاستشارات والفتاوى للفائدة دائمًا, وأهنئكم على نجاحكم وتميزكم واهتمامكم, ونسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.
كثير من الاستشارات التي أقرؤها فيها مشاكل نفسية وعدم ارتياح, فلماذا أصبحنا بهذه الحالة المزرية؟ فقد أصبح الحياء "السلبي" يسيطر على الشباب - ومنهم أنا -, فلا يستطيعون حضور المجالس أو التكلم مع الناس, وقد تحدث مناقشات فلا نستطيع الرد بسبب الحياء، وأشخاص يقولون: نريد الانتحار, وآخرون يقولون: لا نستطيع منع أنفسنا عن المعاصي, وأصبح هناك أناس يعانون من الوحدة والاكتئاب, وقد لا نجد الصديق الوفي إلا نادرًا, وهناك أناس بلحى - وأنا أحب الملتحين - ولكن بعضهم يقول شيئًا ويفعل خلاف ما يقول, ويجندون الشباب لتفجير أنفسهم وقتل المسلمين - كما حصل في اليمن العام المنصرم -.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرًا لهم، وينذرهم ما يعلمه شرًا لهم، ألا وإن عافية هذه الأمة في أولها، وسيصيب آخرها بلاء, وفتن يرقق بعضها بعضًا، تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي, ثم تنكشف ثم تجيء فيقول: هذه هذه, ثم تجيء فيقول: هذه هذه, ثم تنكشف، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه. رواه مسلم.
ففي هذا الحديث وصف لحال الأمة في آخر الزمان، وما يصيبها من البلاء والفتن، وبيان لمعالم النجاة من شر ذلك لمن تدبره, قال النووي في شرح مسلم: هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وبديع حكمه، وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها، وإن الإنسان يلزم أن لا يفعل مع الناس إلا ما يحب أن يفعلوه معه. اهـ.
وفي ذلك إشارة نبوية لضرورة الجمع بين أداء حق الله تعالى بتحقيق الإيمان به، وبين أداء حقوق الخلق بمعاملتهم بالطريقة التي يحب أن يعاملوه بها، وإلا كان الإيمان ضعيفًا والإسلام ناقصًا، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: من جملة خصال الإيمان الواجبة أن يحب المرء لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، فإذا زال ذلك عنه، فقد نقص إيمانه بذلك، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة: "أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا" خرجه الترمذي وابن ماجه ... وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم دخول الجنة على هذه الخصلة؛ ففي مسند الإمام أحمد - رحمه الله - عن يزيد بن أسد القسري قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحب الجنة؟ قلت: نعم, قال: فأحب لأخيك ما تحب لنفسك.
وبهذا صلح حال أول هذه الأمة, ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وراجع الفتوى رقم: 37292.
وراجع للفائدة في ما يتعلق بمشاكل الشباب وطرق علاجها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 191217، 17670، 121673, وراجع في أسباب تراجع المسلمين وانهزامهم الفتوى رقم: 18945.
وأما أدواء العصر من الخوف والقلق، والاكتئاب والخجل، فراجع فيها الفتوى ذوات الأرقام التالية: 54543، 59149، 26806، 46295، 64507.
ثم إننا نذكر الأخ السائل بأن الإسلام حجة على الجميع، وليس أحد حجة على الإسلام، فمن أصاب قُبِل منه، ومن أخطأ رُدَّ عليه، سواء أكان ملتحيًا أو غير ملتحٍ, وليبدأ السائل بنفسه ليكون قدوة لغيره، يأخذ بأيديهم إلى الخير، ويدلهم على الحق، فيُكتب له أجره وأجر من عمل بنصحه.
والله أعلم.