السؤال
أنا شاب مسلم، لبناني, والدي مهندس في أمريكا، وبقية عائلتي في لبنان, جئت أمريكا منذ أربع سنين لكي أدرس في إحدى الجامعات. أنا من عائلة لا علاقة لها بالدين الإسلامي، فهم مسلمون فقط على الهوية الرسمية, وللأسف هذا واقع البلدة التي كنت أعيش فيها فالناس هناك يسبون الدين، ويزنون، ويشربون الخمر، ويتعاطون الربا. ولكن الله عز وجل قد منّ عليّ بالهداية منذ شبابي, فكنت محافظاً على الصلوات، دائم القراءة للقرآن, ولكني كنت جاهلاً بالعديد من الأحكام الشرعية كالعقيدة الصحيحة، وتحريم الربا، وكيفية الزكاة؛ وذلك لفقدان العلماء في منطقتي, وبفضل الله سافرت إلى أمريكا وأنا على هذا الحال. وعندما جئت أمريكا وجدت أبي في حالة أعوذ بالله منها, فكان دائم السب للدين، شارباً للخمر، متعاطياً للربا، سامعاً للموسيقى، قاطعاً للصلاة، مانعاً للزكاة, مع أن المنطقة التي يعيش فيها في أمريكا مليئة بالمسلمين والمساجد، وفيها العديد من الشباب الذين ينتهجون منهج السلف رضي الله عنهم. وبفضل من الله التقيت بإخوة مستقيمين -نحسبهم كذلك والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً- دلّوني على شيخ فاضل، فجالسته وأخذت منه العقيدة الصحيحة والمنهج السلفي السليم. وبدأت بدعوة أبي, والحمد الله نجحت في إقناعه بعدم سب الدين، ثم بالإقلاع عن شرب الخمر، ثم بترك الربا، ثم بعدم الاستماع للموسيقى، ثم بإقامة الصلاة، ثم بإيتاء الزكاة.
لذا أريد أن أسأل عن أموال أبي التي لم يؤدّ زكاتها، وعن شطر أموال أبي التي اكستبها من الربا، ومن بعض الورشات المحرمة كبناء ملهى ليلي، أو خمارة.
أولاً: ماذا عليه أن يفعل لتطهير ماله؟
ثانياً: هل جهله بحكم تحريم هذه الأمور يؤثر على حِلّيّة المال؟
ثالثاً: إن كان عليه أن يتخلص من هذا الشطر من ماله فامتنع لسبب ما, هل لي أن آخذ منه المال؟
جزاك الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي هداك وهدى بك، ونسأله سبحانه أن يتقبل منك صالح العمل، وأن يزقك الاستقامة على طاعته، وأن يحفظك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إن ربنا سبحانه كريم مجيب.
ثم إننا سنجري في هذه الفتوى على أن أباك كان قبل توبته مسلما، رغم ما ذكرت عنه وعن محيطه من تعاطي الفواحش والمنكرات، وسب الدين، إذ ليس بمجرد هذا يحكم بكفر المسلم، فليس كل من وقع منه الكفر وقع الكفر عليه. ونلخص جواب النقاط المسؤول عنها فيما يلي:
إذا كان هذا الأب جاهلا بحرمة ما كان يتعاطى من الحرام - كما ذكرت - فإن توبته تَجُبُّ ما قبلها، وليس عليه أن يتخلص من قدر ما كسب من الحرام .
أما إذا كان عالما بحرمة ما يتعاطى، فعليه إخراج قدر الحرام, وكيفية ذلك أن يخرج قدر الحرام إن كان يعلمه بالتحديد، فإن جهل قدره، فليحتط وليجتهد في تقديره حتى يغلب على ظنه أن قد برأت ذمته.
وفي هذه المعاني يقول الشيخ ابن عثيمين: إذا كان قد أخذه، فإن كان جهلاً منه ولا يدري أنه حرام، فإن توبته تجب ما قبلها، وهو له؛ لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ. {البقرة:275}. وأما إذا أخذه وهو يعلم أنه حرام، لكنه كان ضعيفاً في الدين، قليل البصيرة, فهنا يتصدق به, إن شاء في بناء المساجد، وإن شاء في قضاء الديون عمن عجز عن قضائها, وإن شاء في أقاربه المحتاجين؛ لأن كل هذا خير.
وفي حال ما إذا امتنع هذا الأب من إخراج الحرام في الحالة التي يكون فيها مطالبا بإخراجه: فليس عليك أن تأخذ المال من يده دون إذنه غلبة، بل عليك أن تناصحه وتلاطفه بالتذكير والتوجيه لعله يستجيب .
ولك الانتفاع بماله الذي اختلط فيه الحلال بالحرام، دون ما علمت أنه من عين الحرام.
أما بخصوص الزكاة: فإن هذا الأب مطالب بإخراجها عن جميع ما مضى من السنين، إذ هي دين في ذمته لا يسقط بالتقادم؛ وراجع الفتوى رقم: 112248 . وراجع كيفية الإخراج والحكم في التباس الأعوام، في الفتوى رقم: 21769
وجدير بالتنبيه أن الزكاة تجب في المال الحلال، أما الحرام فيخرج كله كما سبق تفصيله؛ وراجع الفتوى رقم: 105674 .
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 56493 .
والله أعلم.