السؤال
زوجي يرتكب بعض المعاصي وكثيرا ما يتحدث إلى النساء بنعومة ولين، وبعض النساء تريده زوجا وإن كانت متزوجة وأحيانا يكذب في الحديث ولا يقرأ القرآن ولا يصلي في المسجد ودائما يصلي في البيت ويشرب السجائر، ومع هذا فهو طيب المعشر وكثير الصدقات ويساعد المحتاج وكريم جدا وحين أنصحه بأن يترك تلك المعاصي ويتقرب إلى الله يقول إنه واثق في رحمة الله وأنه على يقين من أن الله سوف ينجيه من النار ويدخله الجنة حتى مع وجود المعاصي ويكفي الثقة بالله حتى يغفر له الله، فهل الثقة في رحمة الله تغفر جميع الذنوب وتنجي من العذاب، فكيف يكون عدل الله في قوله: هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون ـ أرجو التوضيح والإفادة، وجزاكم الله الخير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحال المؤمن في الدنيا يكون بين الخوف والرجاء، وهما محمودان بالقدر الذي يحمل العبد على الكف عن المعاصي والاجتهاد في الطاعات، أما الخوف الذي يقنط العبد من رحمة الله أو الرجاء الذي يجرّئ العبد على المعصية ويقعده عن الطاعة فكلاهما مذموم، وقد عد بعض العلماء الاسترسال في المعاصي اتكالا على رحمة الله تعالى كبيرة من الكبائر، قال الهيتمي رحمه الله: الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي مَعَ الِاتِّكَالِ عَلَى الرَّحْمَةِ، قَالَ تَعَالَى: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ { الأعراف: 99}.
ولا ريب أن الجرأة على المعصية والاستخفاف بها -وإن صغرت- خطر عظيم، جاء في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم رحمه الله: وقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: لَا تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى مَنْ عَصَيْتَ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: بِقَدْرِ مَا يَصْغَرُ الذَّنْبُ عِنْدَكَ يَعْظُمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَكَ يَصْغَرُ عِنْدَ اللَّهِ.
وفيه: وَفِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ لَا تَأْمَنْ سُوءَ عَاقِبَتِهِ، وَلَمَا يَتْبَعُ الذَّنْبَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا عَمِلْتَهُ، قِلَّةُ حَيَائِكَ مِمَّنْ عَلَى الْيَمِينِ وَعَلَى الشِّمَالِ ـ وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ ـ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ، وَضَحِكُكَ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ.
فبيني ذلك لزوجك وانصحيه برفق وحكمة وتعاوني معه على طاعة الله ولا سيما صلاة الجماعة في المسجد، وراجعي في الأسباب المعينة على ذلك الفتويين رقم: 2444، ورقم: 23962.
والله أعلم.