الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلى الجمعة أمام الإمام وأعادها في مسجد آخر

السؤال

ما حكم من صلى جمعتين في نفس اليوم؟ فأنا الجمعة الأولى صليت أمام الإمام, فذهبت وصليت في مسجد آخر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فينبغي العلم أولًا أن إعادة الفريضة من غير سبب شرعي لا يشرع, والفريضة لا تصلى إلا مرة واحدة، إلا إذا وُجد موجب يقتضي إعادتها, وقد روى أحمد والنسائي وأبو داود - واللفظ له - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ, فَقُلْتُ: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ, إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. ولفظ النسائي: لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى الكبرى عن إعادة الصلاة المفروضة من غير سبب: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَهُوَ فِي الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ, وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ, وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْصِدَ إعَادَةَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِي الْإِعَادَةَ؛ إذْ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لِلصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ كَانَ يُمْكِنُ الْإِنْسَانَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَرَّاتٍ, وَالْعَصْرَ مَرَّاتٍ, وَنَحْوَ ذَلِكَ, وَمِثْلُ هَذَا لَا رَيْبَ فِي كَرَاهَتِهِ, وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ الْأَسْوَدِ: فَهُوَ إعَادَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِسَبَبِ اقْتَضَى الْإِعَادَةَ, وَهُوَ قَوْلُهُ: {إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا, ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ} فَسَبَبُ الْإِعَادَةِ هُنَا حُضُورُ الْجَمَاعَةِ الرَّاتِبَةِ, وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى ثُمَّ حَضَرَ جَمَاعَةً رَاتِبَةً أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ. اهــ

والصلاة أمام الإمام مختلف في صحتها: فذهب بعضهم إلى أنها لا تصح مطلقًا، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما, وذهب آخرون إلى أنها تصح مع الكراهة إن كان ذلك لغير عذر، وهذا مذهب المالكية، وذهب آخرون إلى صحتها إن كانت لعذر، وإن لم تكن لعذر لم تصح, وهذا هو المرجح عندنا كما فصلناه في الفتوى رقم: 33993.

فبان مما ذكر أنك إذا لم تكن معذورًا في صلاتك أمام الإمام فإن ما فعلته من الإعادة هو الصواب، وإذا لم تكن معذورًا كان صوابًا أيضًا إذا كنت مقلدًا مذهب القائلين بالبطلان.

وأما إن كنت ترى صحة الصلاة الأولى: فإنه لم يكن ينبغي لك الإعادة ما لم تكن أعدتها بنية النفل، فإن الإعادة بنية النفل جائزة؛ لما صح عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم, ثم يعود إلى قومه فيصلي بهم العشاء إمامًا.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني