السؤال
سؤالي بشأن من حرمهم المرض الصيام، والمرض مما لا يرجى برؤه والحمد لله.
علمت أن علي دفع كفارة عن كل يوم، إطعام مسكين، لكن سؤالي عن أيام فائتة (للعذر الشرعي) فى رمضانات سابقة؛ حيث كنت أصوم ولم أقضها للتسويف، ولبعض الظروف. ماذا أفعل الآن هل أدفع عنها كفارة؟ هل علي إثم كبير لأني لم أقضها في سنتها؟ كنت أظن أن علي قضاءها مع كفارة، لكن الآن وقد حرمت الصيام والله المستعان ماذا أفعل؟
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا.
هل سيكتب لي مثل أجر رمضان صمته أم الأجر كاملا كما سمعت أحد الشيوخ على التلفاز؟
لو بفضل الله زدت طاعات وعبادات، وتقرب بالنوافل وفي نيتي لو كنت قادرة على الصوم لصمت أفضل وأكثر. هل أؤجر بنيتي أم فات الأوان؟
عذرا على الإطالة أرجو منكم الإجابة.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يحرم تأخير قضاء رمضان حتى يأتي رمضان الآخر بلا عذر، فمن فعل ذلك عالما بحرمته فقد أثم، وعليه مع القضاء كفارة، وهي إطعام مسكين لكل يوم.
قال ابن قدامة: ولا يجوز له تأخير القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - لم تؤخره إلى ذلك، ولو أمكنها لأخرته، ولأن الصوم عبادة متكررة، فلم يجز تأخير الأولى عن الثانية، كالصلوات المفروضة. فإن أخره عن رمضان آخر نظرنا؛ فإن كان لعذر فليس عليه إلا القضاء، وإن كان لغير عذر، فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم. وبهذا قال ابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق. وقال الحسن، والنخعي، وأبو حنيفة: لا فدية عليه؛ لأنه صوم واجب، فلم يجب عليه في تأخيره كفارة، كما لو أخر الأداء والنذر. ولنا ما روي عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، أنهم قالوا: أطعم عن كل يوم مسكينا. ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلافهم - وروي مسندا من طريق ضعيف -، ولأن تأخير صوم رمضان عن وقته إذا لم يوجب القضاء، أوجب الفدية، كالشيخ الهرم. اهـ .
فإن عجزت عن قضاء الأيام التي أخرت قضاءها بلا عذر فعليك عن كل يوم فديتان، فدية للإفطار، وفدية لتأخير القضاء.
جاء في المنهاج وشرحه للمحلي: (و) الأصح (أنه لو أخر القضاء مع إمكانه فمات، أخرج من تركته لكل يوم مدان مد للفوات) على الجديد. (ومد للتأخير) ، والثاني يكفي مد وهو للفوات، ويسقط مد التأخير. اهـ.
لكن إن كنت جاهلة بحرمة تأخير القضاء فلا تلزمك كفارة التأخير، كما بيناه في الفتوى رقم: 57219
وأما الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم. فالمراد به من نوى ذلك العمل وعجز عنه.
قال ابن تيمية - بعد ذكره الحديث - :فهؤلاء كانوا قاصدين للعمل الذي كانوا يعملونه راغبين فيه، لكن عجزوا فصاروا بمنزلة العامل، بخلاف من زال عقله، فإنه ليس له قصد صحيح ولا عبادة أصلا، بخلاف أولئك فإن لهم قصدا صحيحا يكتب لهم به الثواب .اهـ .
فإذا نويت فعل طاعة من الطاعات ولم تقدري عليها، فإن الله يكتب لك أجرها فضلا منه سبحانه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من نوى الخير وعمل منه مقدوره وعجز عن إكماله، كان له أجر عامل، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم. قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر} . وقد صحح الترمذي حديث أبي كبشة الأنماري عن النبي صلى الله عليه وسلم {أنه ذكر أربعة رجال: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل فيه بطاعة الله. ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا. فقال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان. قال: فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما، فهو يعمل فيه بمعصية الله. ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فقال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان. قال: فهما في الوزر سواء}. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء؛ ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}. اهـ.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه .
والله أعلم.