الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت أحرمت خلف الإمام أثناء رفعه من الركوع فقد فاتتك تلك الركعة, وكان عليك الإتيان بركعة بدلها بعد سلام الإمام, وحيث لم تفعلي ذلك, وطال الوقت قبل الإتيان بالركعة الفائتة, فقد بطلت تلك الصلاة, وتلزمك إعادتها كاملة, وأما صلاتك ركعتين قصرًا عن العشاء فلا تصح؛ لأنه كان يلزمك إعادة العشاء كما صليتها أداء, وذلك أنك قد صليت العشاء خلف مقيم فيلزمك الإتمام لها, وما دام أنها لم تصح فيلزم إعادتها تامة كما أديت أولًا, وإنما يجوز لك أن تقصري الصلاة إذا لم تقتدي فيها بمقيم أو متم, جاء في الإقناع للشربيني: والشرط الخامس أن لا يأتم بمقيم, أو بمن جهل سفره, فإن اقتدى به - ولو في جزء من صلاته - كأن أدركه في آخر صلاته, أو أحدث هو عقب اقتدائه لزمه الإتمام؛ لخبر الإمام أحمد عن ابن عباس سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد, وأربعًا إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة.
وفي زاد المستقنع: فصل من سافر سفرًا مباحًا - أربعة برد - سن له قصر رباعية ركعتين إذا فارق عامر قريته, أو خيام قومه, وإن أحرم حضرًا ثم سافر, أو سفرًا ثم أقام, أو ذكر صلاة حضر في سفر, أو عكسها, أو ائتم بمقيم, أو بمن يشك فيه, أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها, أو لم ينو القصر عند إحرامها, أو شك في نيته, أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام, أو ملاحًا معه أهله لا ينوي الإقامة ببلد لزمه أن يتم.
وقال في كشاف القناع: الثانية عشرة: المبينة بقوله: أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها, كمن يقتدي بمقيم فيحدث في أثناء الصلاة فيلزمه إعادتها تامة؛ لأنها وجبت عليه ابتداء تامة, فلا يجوز أن تعاد مقصورة.
لكن ذهب ابن عثيمين إلى جواز صلاتها قصرًا, بعد أن فسدت تامة, قال ابن عثيمين في الشرح الممتع قوله: «أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها», هذه هي المسألة السابعة: يعني: أن المسافر أحرم بصلاة يلزمه إتمامها، كما إذا ائتمّ بمقيم فقد أحرم بصلاة يلزمه إتمامها، فإذا فسدت بحدث أو غيره ثم أعادها فإنه يلزمه الإِتمام؛ لأن هذه الصلاة إعادة لصلاة يجب إتمامها، فيلزمه أن يصلي أربعًا.
تنبيه: إذا دخل مع الإِمام المقيم - وهو مسافر - ولما شرع في الصلاة ذكر أنه على غير وضوء، فذهب وتوضأ فلما رجع وجد الناس قد صلوا فلا يلزمه الإِتمام؛ لأن المؤلف يقول: «أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت» فدلّ قوله: «ففسدت» أن الفساد طارئ، أما إذا ذكر أنه على غير وضوء فإن الصلاة لم تنعقد أصلًا، وعلى هذا فلا يلزمه الإِتمام، بخلاف المسألة الأولى إذا فسدت بعد أن انعقدت فإنه يلزمه الإِتمام كما قال المؤلف, ولكن هذا غير مسلم به؛ وذلك لأن الصلاة الأولى التي شرع فيها إنما يلزمه إتمامها تبعًا لإِمامه, لا من حيث الأصل، وبعد أن فسدت زالت التبعية فلا يلزمه إلا صلاة مقصورة، وهذا التعليل أقوى من التعليل الذي ذكروه - رحمهم الله - فيكون هذا أرجح إن لم يمنع منه إجماع، أي: أنه إذا أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها في حال يجوز له القصر، فإنه لا يلزمه الإِتمام"
والأحوط ما قدمناه لك, وهو الإتمام.
والله أعلم.