السؤال
قصة سيدنا الخضر مع سيدنا موسى فى سورة أهل الكهف، وتوضيحه له سبب قتل الغلام أن أبويه صالحان، وبأنه أراد ربه أن يبدل أهله خيرا منه. فهل هذا سبب في القتل؟ وهل الله يأمر نبيا بقتل إنسان؟ ولماذا لم يمته الله بدلا من أن يرسل نبيا لقتله؟ أرجو توضيح معنى الآية. ولكم تحياتنا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شريعة الخضر -عليه السلام- تختلف عن شريعتنا، وتختلف عن شريعة موسى-عليه السلام- الذي أرسله الله إليه ليتعلم منه، ولذلك أنكر عليه موسى خرقه للسفينة وقتله للغلام - مع أنه اتفق معه في بداية لقائهما على ألا يسأله عن شيء حتى يكون الخضر هو الذي يخبره به- فقال له في الأولى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا {الكهف:71}، وفي الثانية: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا {الكهف:74}.
وفساد الابن وصلاح الأبوين ليس سببا للقتل في شريعتنا ولا في شريعة موسى، وإنما كان ذلك في شريعة الخضر، وبأمر من الله تعالى، وخشية أن يحملهما حب الولد على أن يتابعاه على دينه وهو الكفر، فأبدلهما الله تعالى خيرا منه.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ويستفاد من هذه الآية تهوين المصائب بفقد الأولاد وإن كانوا قطعاً من الأكباد، ومن سلّم للقضاء أسفرت عاقبته عن اليد البيضاء. قال قتادة : لقد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فالواجب على كل امرئ الرضا بقضاء الله تعالى، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه له فيما يحب. اهـ
وقال الشوكاني في فتح القدير: وقد استشكل بعض أهل العلم قتل الخضر لهذا الغلام بهذه العلة، فقيل: إنه كان بالغاً وقد استحق ذلك بكفره، وقيل كان يقطع الطريق فاستحق القتل لذلك، ويكون معنى فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً: أن الخضر خاف على الأبوين أن يذبا عنه ويتعصبا له فيقعا في المعصية، وقد يؤدي ذلك إلى الكفر والارتداد. والحاصل أنه لا إشكال في قتل الخضر له إذا كان بالغاً كافراً أو قاطعاً للطريق؛ هذا فيما تقتضيه الشريعة الإسلامية. ويمكن أن يكون للخضر شريعة من عند الله سبحانه تسوغ له ذلك. وأما إذا كان الغلام صبياً غير بالغ، فقيل: إن الخضر علم بإعلام الله له أنه لو صار بالغاً لكان كافراً يتسبب عن كفره إضلال أبويه وكفرهما، وهذا وإن كان ظاهر الشريعة الإسلامية يأباه؛ فإن قتل من لا ذنب له ولا قد جرى عليه قلم التكليف لخشية أن يقع منه بعد بلوغه ما يجوز به قتله لا يحل في الشريعة المحمدية، ولكنه حل في شريعة أخرى، فلا إشكال. اهـ
وقال الألوسي في روح المعاني: والآية من المشكل ظاهراً؛ لأنه إن كان قد قدر الله تعالى عليهما الكفر فلا ينفعهما قتل الولد، وإن لم يكن قدر سبحانه ذلك فلا يضرهما بقاؤه، وأجيب بأن المقدر بقاؤهما على الإيمان إن قتل، وقتله ليبقيا على ذلك. واستشكل أيضاً بأن المحذور يزول بتوفيقه للإيمان، فما الحاجة إلى القتل؟ وأجيب بأن الظاهر أنه غير مستعد لذلك؛ فهو مناف للحكمة، وكأن الخضر-عليه السلام- رأى فيما قال نوع مناقشة، فتخلص من ذلك بقوله : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى } أي بل فعلته بأمر الله عز وجل، ولا يسأل سبحانه عما أمر وفعل. اهـ
ولا شك أن ما جرى كان بأمر من الله تعالى ولحكمة أرادها؛ ولذلك قال العبد الصالح: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي. {الكهف:82}. فهو- سبحانه وتعالى- الذي أمر الخضر بقتل الغلام، كما أمر بعض ملائكته بنفخ الروح فيه أولا؛ فله الحكم وإليه الأمر؛ يأمر من يشاء من عباده بتنفيذ ما يشاء من أوامره، وهو القادر على أن يحيي من يشاء ويميت من يشاء بدون سبب أو واسطة. لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
لذلك نقول للسائل الكريم إن هذه المسألة من مسائل القدر الذي لا ينبغي الخوض فيه؛ فالقدر- كما قال العلماء- سر الله في خلقه، لم يُطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلا.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 99760، 38875.
والله أعلم.