السؤال
كنت أعمل في بنوك ربوية، عملت فيها كتاجر أسهم لمدة خمس سنين، ومنذ وقت قليل شرعت في الإجراءات للتوقف عن هذا العمل، أسأل الله المغفرة. استفتيت في مالي الذي كسبت من عملي هذا كيف أتصرف فيه، فأرشدت إلى فتوى لشيخ الإسلام يقول فيها: وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كل منهما، جعل ذلك نصفين. استفساري يخص المال الذي سأجعله نصفين، كيف أقدره مع العلم أن ما كسبته من مال يمكن تقسيمه إلى أقسام : قسم أنفقته، وقسم اشتريت به عقارات باسمي، وقسم بنيت به بيتا لأبوي والبيت باسمهما، وقسم أقرضته، وقسم ادخرته، وقسم يضم أقساطا مؤجلة من مكافآت كان قد تم الاتفاق عليها مع البنك عند إبرام عقود العمل، والمفترض أن هذه الأقساط سيتم تحويلها بإذن الله في تواريخ محددة في المستقبل. فما هي الأقسام المعتبرة في تقدير المال؟ وهل يحل لي أخذ الأقساط المؤجلة؟ وإن كان حلالا فهل أعتبرها في تقدير المال؟
الشق الثاني من سؤالي يخص إعانات البطالة: ففي فرنسا الدولة تدفع رواتب للعاطلين الذين يفقدون أعمالهم كل بحسب مدة وقيمة إسهاماته خلال فترة عمله. فهل يحل لي أخذ هذه الرواتب؟ أحب أن أشير إلى أن هذه الرواتب فيها شبهة في تقديري، لأن النظام الذي تقوم عليه يشبه نظام التأمين، لست متأكدا من الأمر ولكن أغلب الظن أنه كذلك والله أعلم. وجزاكم الله عن الأمة خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعمل في البنوك الربوية لا سيما في بيع أسهمها محرم، وما يأخذه العامل في هذه الوظيفة حرام كله، ولا يجري فيه قول شيخ الإسلام المذكور، وقد بيناه في الفتوى رقم: 137834 لأن محله ما إذا كان هنالك مال حلال ومال حرام، وأما الراتب المذكور فحرام والأصل فيه أن يتخلص منه كله في سبل الخير وأبواب البر ويدفع للفقراء والمساكين.
قال ابن القيم رحمه الله: إن كان المقبوض برضا الدافع وقد استوفى عوضه المحرم فهذا لا يجب رد العوض على الدافع، لأنه أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوض عنه، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان وتيسيرا لأصحاب المعاصي، ولكن خبثه لخبث مكسبه لا لظلم من أخذه منه فطريق التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة.
وأما ما استهلك منه في شراء عقار أوهبة ونحوها فإنه يتعلق بالذمة فيدفع قدره ولا يتعلق الخبث بما استهلك فيه من عقار أوغيره. ومن العلماء من يرى أن التائب من الحرام إن كان جاهلا بحرمته عند قبضه له فيقر على ما بيده منه ولا يلزمه التخلص منه ويحل له الانتفاع به، بخلاف ما لو كان عالما بحرمته فلا يباح له منه إلا بقدر حاجته والباقي يتخلص منه.
جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية: ومن كسب مالا حراما برضاء الدافع كثمن الخمر ومهر البغي وحلوان الكاهن، فالذي يتلخص من كلام أبي العباس أن القابض إن لم يعلم التحريم ثم علم جاز له أكله، وإن علم التحريم أولا ثم تاب فإنه يتصدق به، وإن كان هو فقيرا أخذ كفايته. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 101869.
وأما مسألة الإعانة المقدمة للعاطلين عن العمل فلم يظهر لنا وجه الشبهة فيها، والمشهور أنها هبة من الدولة وليس فيها حرج إذا كان المرء مستحقا لها وفق شروط تلك الجهة.
والله أعلم.