الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نتمكن بعد البحث من الاطلاع على ما يفيد إثبات هذه القصة في شيء من نصوص الأحاديث الثابتة، وإذ لم تثبت فلا ينبغي أن تكون مثار إشكال، ولكنا نفيدكم أن العبرة بالخواتيم فمن ختم له بشيء عومل به، ففي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، الأعمال بالخواتيم.
وفي حديث المسند: لا عليكم أن لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئًا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته، قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه. صححه الأرناؤوط والألباني.
وأما الكافر: فمهما عمل فلا ينفعه عمله، لأنه أحبط ذلك بالشرك بالله تعالى، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ { المائدة: من الآية5}.
وقال تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ { البقرة: 217}.
وقال: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً { الفرقان: 23}.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أنه أخبره بعض من شهد النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل ممن معه: إن هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراح فأتاه رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله؛ أرأيت الرجل الذي ذكرت أنه من أهل النار فقد قاتل والله أشد القتال في سبيل الله وكثرت به الجراح! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار ـ فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينا هم على ذلك وجد الرجل ألم الجراح فأهوى يده إلى كنانته فانتزع منها سهما فانتحر به، فاشتد رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد صدق الله قولك فقد نحر فلان نفسه. قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
ولكن الله لا يظلم الناس شيئاً، فما فعله الكافر في الدنيا من الخير يجازى به فيها، كما في الصحيح: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا والآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم.
وأما كون الناس يخطئون فهذا واقع فالمعاصي تقع من المؤمن والمنافق والكافر، فالمؤمن مع إيمانه بالله واليوم الآخر، ومع معرفته بأن معصية الله تؤدي إلى سخطه وعقوبته يقع منه الذنب، وتبدر منه المعصية على حين غفلة وفي ساعة ضعف وشهوة، ولكنه يتوب وينيب وقد تكفر المعاصي بعض الطاعات أحيانا كما يحصل بالصلاة وصوم رمضان والحج، وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ. {آل عمران:135-136}
وهذا هو الفرق بين المؤمن والمنافق، فالمؤمن يخاف من الذنب ويتوب منه، والمنافق لا يبالي بذنبه ولا يهتم به، كما قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه: المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنوبه كذباب مر بأنفه فقال به هكذا ـ أي هشه وأزاحه بيده. رواه البخاري.
وحتى لو لم يتب المؤمن وعوقب على معاصيه فسينفعه توحيده لله فلا يخلد في النار، وأما الكافر: فإن كفره أعظم عند الله من جميع المعاصي، وأي عبادة يفعلها لا تنفعه، لأن الكفر لا يغفر، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ. { النساء: 48}.
وانظر الفتوى رقم: 14491.
ولمعرفة مصير من مات ولم يعرف الإسلام انظر الفتوى39870.
والله أعلم.