الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كراهة الوساوس ومدافعتها صريح الإيمان

السؤال

أرجو من شخصكم الكريم الاستماع لشكواي وعدم إحالتي لفتاوى أخرى؛ لأن حياتي دمرت بسبب الوسواس القهري الشديد منذ كنت في المرحلة الإعدادية جاءني في الصلاة أمام عيني كلمة سب لله عز وجل، وكنت كلما أصلي أتخليها موجودة أمام عيني. أعترف أني كنت أصلي بغير خشوع، ولكني لا أعلم لماذا استسلمت لهذا المرض بسرعة، وأحسست أنه كان يلازمني في صغري أيضا، فكنت أحاول أن أتخيل اسم الشيطان حتى يقترن السب به، ولكنها كانت تزداد معي بشكل سريع جداً ومتلاحق، حتى أنني كنت لا أركز في الدراسة بسببها، وكنت أعلم أن هذه الأفكار خاطئة مع صغر سني، بل كنت أقول إني لا أقصد ذلك، وكلما أتى كان يدور في عقلي أن قلبي لم يتأثر بها أبداً، وأخذت أتعايش مع المرض، فكانت الأفكار تلاحقني دوما عندما أسمع كلمة سب من فم أي شخص، وأخذت تتفاقم وتكبر وتتنوع في كيفية التحقير من الدين عامة، وكنت كثيرة العصبية بسبب ذلك. فحاولت أن أقول لأمي على الحالة حتى يتم شفائي فلم تأخذ المرض بالمحمل المطلوب، بل استهزأت بكلامي وأنا في هذه الحالة منذ 5 سنوات، لكني مع ذلك كنت حريصة على الصلاة والله العلي العظيم كنت أحرص على رضا الله ورسوله الكريم، لكن كل ما يجعلني في عصبية دائما هذا المرض، وخاصة هذه السنة حاولت أن أتخلص منه، ولكن غير قادرة؛ لأنه يأتيني فأسمع صوتا يقول لي ذلك، فكان ردي الوحيد هو السكوت في داخلي أو ترديد أي شيء من كلام حتى لا يكتمل السب في أذني لله، والحمد لله كنت أعمل ذلك، إنما في الصلاة كان يأتيني فكنت أتعصب وأخرج من الصلاة، حتى وصل بي الأمر أني أتخيل الكلام مكتوبا على الجدران حتى في الخلاء أتخيله فكنت عندما تراودني هذه الأفكار كنت أذهب للحمام حتى أثبت لنفسي أنه لا يوجد شيء، وعندما أذهب يأتيني اسم الله أمام عيني فتيقنت أنني كفرت، وأحسست أني متعمدة لذلك، حتى أنني أجلت دراستي ولما أدخل الامتحان لأني كلما أنظر لأي كتاب أتخيلها أمامي، فذهبت لدكتور نفسي، فقال لي إنك تعانين من مرض وسواس قهرى، وكتب لي دواء آخذه بانتظام، ولكن العلاج السلوكي لم أقدر عليه، كلما أفعل فكرة مضادة كسب للشيطان أستجيب لمدة قليلة، ولكن في الصلاة تأتيني مرة ثانية كسابق عهدها.
آسفة على الإطالة وسؤالي: أنا عندما قرأت أن الله يقبل توبة المؤمن إذا كفر وآمن مرة ثانية مرتين فقط والثالثة لا يمكن. وأنا حاولت قبل معرفتي بأنني مريضة بوسواس أنني أترك الأفكار هذه من رأسي لكن كنت على أعصابي، ودائما في صداع بسببها؛ لأني أكتم بداخلي شيئا أخاف أن أتذكره، فكان يأتيني مرة ثانية.. فكررت الشهادة والدخول فى السلام أكثر من مرة تعدت الثلاث مرات، لدرجة كنت أكتم تنفسي فى الصلاة حتى لا يأتيني الوسواس. فسؤالي: كيف أكفر عن ذلك الذنب العظيم خاصة أنني في الأسبوعين الماضيين لم أنم ولم آكل، ودائما في بكاء مستمر. وهل الله سيحاسبني على تقصيري في العلاج السلوكي. لأني دماغى غير قادرة حتى تفكر من كثرة الخوف من هذه الأفكار. ماذا أفعل يا شيخ هل أنا بالفعل كفرت، ودائما يدور في ذهني أنني كفرت، وأنني متعمدة في سبي هذا، ماذا أفعل حتى أحس برضاء الله عز وجل عني... فأرجو منك يا فضيلة الشيخ الإجابة التي تريح قلبي لأني في عذاب وغير قادرة أن أفكر في أي شيء على الإطلاق، ودائما في خوف من مواجهة الأفكار أو تذكرها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه لا علاج أنجع ولا أنفع للوسواس من الإعراض عنه والانصراف عن التفكير فيه، ولا يضرك أمره إن شاء الله ما دمت كارهة له، ولا يخرج صاحبه بذلك عن الدين ولا يأثم، بل هو مثاب على كراهته وخوفه منه، لأن هذا صريح الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجد بعض الصحابة رضوان الله عليهم شيئاً من ذلك وشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم: عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان.

ومن رحمة الله سبحانه وتعالى وكرمه ورأفته بعباده أن رفع عنهم الحرج والمؤاخذة بالخطأ وما استكرهوا عليه. ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه الطبراني وصححه الألباني.

لذلك نقول للأخت السائلة هوني على نفسك، فأنت لست كافرة والحمد لله تعالى، بل أنت مسلمة تكرهين وساوس الشيطان وتريدين التخلص منها، ولو افترضنا أنك وقعت في ذنب ثم تبت منه فإن الله يغفره مهما كان، ولو تكرر ذلك عدة مرات، وعليك أن لا تعيري هذه الوساوس والتخيلات أي اهتمام، فإن كل ما يخيل إليك أمام عينيك أو يخطر ببالك من الخواطر التي لا تليق بجلال الله تعالى فإنك لا تؤاخذين عليه ما دمت تكرهين ذلك لأنه خارج عن إرادتك، فلتعرضي عن سائر تلك الوساوس إعراضاً كاملاً، ولا تسترسلي فيها بالغة ما بلغت.

وننصحك باللجوء إلى الله تعالى والاستعاذة به من شر الشيطان وكيده والمواظبة على قراءة المعوذتين وأذكار الصباح والمساء بانتظام مع عدم الانصياع لما يروج له من التقليل من شأن الدين ونحو ذلك، وقد نقلنا في فتاوى سابقة كلام العلماء في ذلك، ومنه قول ابن حجر الهيتمي حينما سئل عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين بل وأقبح منهم كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها. إلى أن قال: وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته. انتهى.

مع التنبيه على أنه لا يجوز قطع الصلاة بسبب الوسوسة، وأفضل وسيلة لطرد الشيطان ووساوسه في الصلاة هو أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وتتفلي عن يسارك ثلاث مرات، فإنه سيذهب بإذن الله، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 50398.

كما ينبغي مراجعة المختصين في علاج الأمراض العصبية وغيرها من الأمراض النفسية، ولا مانع من أن تعرضي نفسك على من يوثق بدينه وورعه من العارفين بالرقية الشرعية، مع الحذر كل الحذر من أصحاب الشعوذة والدجل، والله سبحانه وتعالى هو الشافي حقيقة، وهو أكرم وأعدل من أن يسلط على عبده ما لا يستطيع دفعه، ثم يؤاخذه على ما ليس في وسعه. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 128517.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني