الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراتب الصديقين والشهداء والصالحين والعلماء

السؤال

قال الله تعالي في سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ـ وسؤالي: من هم الصديقون؟ من المعلوم أن درجة النبوة هي أعلى درجة يصل إليها المؤمن وهي خاصة بالأنبياء فقط؟ فهل الدرجة التي تليها وهي درجة الصديقية خاصة بأناس معينين مثل الصحابة، أو السلف وقد انتهت؟ أم من الممكن أن ينالها الناس إلى قيام الساعة؟ وهل فسر العلماء: الصديقين ـ بالعلماء فيكون العلماء أعلى من الشهداء؟ وما قول العلماء في التفضيل بين العلماء والمجاهدين؟ وهل الصالحون هم عامة المؤمنين الذين لم يكونوا من الأنبياء والصديقين والشهداء؟ أم عامة المؤمنين لهم درجة أقل من درجة الصالحين؟ الرجاء الإجابة على كل سؤال وإن كنتم خالفتم قول جمهور العلماء اذكروا قول جمهور العلماء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما تفسير الصديقين والشهداء والصالحين: فقد سبق لنا بيان خلاصة ما قيل فيه في الفتوى رقم: 136981.

وأما درجة الصديقية: فهي باقية وليست قاصرة على طبقة الصحابة والسلف الصالح وإن كانوا هم - بلا ريب - رؤوس الصديقين وأكابرهم، لكن من عمل بعملهم وسار على طريقهم واتبع سنتهم كان منهم، ومما يدل على ذلك أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وقمته وآتيت الزكاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء. قال المنذري: رواه البزار بإسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان. انتهى. وصححه الألباني.

وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعاً: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء.

وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم من المفسرين وغيرهم أن ذلك عام في كل من هذه صفته، قال ابن الجوزي في زاد المسير: الجمهور على أن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين عام في جميع من هذه صفته، وقال عكرمة: المراد بالنبيين هاهنا محمد، والصديقين أبو بكر، وبالشهداء عمر وعثمان وعلي، وبالصالحين سائر الصحابة. انتهى.

وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 141751، ورقم: 32228.

وأما تفسير الصديقين بالعلماء: فلم نجده في ما اطلعنا عليه من كتب التفسير، ولكن أشار إليه بعضهم، قال التستري في تفسير قوله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ـ يعني أهل الفهم عن الله، والعلماء بالله وبأوامره وبأيامه، قيل: صفهم لنا؟ قال: العلماء ثلاثة: عالم بالله لا بأمر الله ولا بأيام الله، وهو عامة المؤمنين، وعالم بالله وبأمر الله لا بأيام الله، وهم العلماء، وعالم بالله وبأمر الله وبأيام الله وهم النبيون والصديقون. انتهى.

وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي في شرح سنن الترمذي: أكد النبي صلى الله عليه وسلم فضل العلم وأنه ينتهي بصاحبه إلى الجنة في قوله في الحديث الصحيح: العلماء ورثة الأنبياء، ومن ورث الخير كان من أهله، وقال جمع من العلماء في قوله تعالى: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ـ قالوا: الصديقون هم العلماء العاملون. انتهى.

وإلى هذا يشير كلام ابن القيم في مفتاح دار السعادة: أولو العلم الذين قاموا بما جاء به صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً وهداية وإرشاداً وصبراً وجهاداً، وهؤلاء هم الصديقون، وهم أفضل أتباع الأنبياء، ورأسهم وإمامهم الصديق الأكبر أبو بكر. انتهى.

وقال أيضاً: الصديقية هي كمال الإيمان بما جاء به الرسول علماً وتصديقاً وقياما، فهي راجعة إلى نفس العلم، فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول وأكمل تصديقاً له كان أتم صديقية. انتهى.

والتحقيق أن من يصدق عليه وصف الصديقية من أهل العلم هم طائفة مخصوصة منهم، وهم من وفى العلم حقه من الطلب والعمل والدعوة، قال ابن القيم بعد أن ذكر حديث الحسن مرفوعاً: من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام فبينه وبين الأنبياء في الجنة درجة النبوة، قال: وهذا وإن كان لا يثبت إسناده فلا يبعد معناه من الصحة، فإن أفضل الدرجات النبوة وبعدها الصديقية وبعدها الشهادة وبعدها الصلاح، فمن طلب العلم ليحيي به الإسلام فهو من الصديقين، ودرجته بعد درجة النبوة. انتهى.

وأما مسألة المفاضلة بين العلماء والشهداء: فقد حققها ابن القيم بكلام متين، خلاصته أن الفضيلة فيهما تابعة لتحقيق صفة الصديقية، فمن تحقق بها من العلماء، أو الشهداء فهو الفاضل، وختم كلامه بقوله: فإن جرى قلم العالم بالصديقية وسال مداده بها كان أفضل من دم الشهيد الذي لم يحلقه في رتبة الصديقية، وإن سال دم الشهيد بالصديقية وقطر عليها كان أفضل من مداد العالم الذي قصر عنها، فأفضلهما صديقهما، فإن استويا في الصديقية استويا في المرتبة. انتهى.

وأما الجزئية الرابعة من السؤال فجوابها هو الاحتمال الأول الذي أشار إليه السائل، فالصالحون هم أهل طاعة الله تعالى ممن لم يصل إلى درجة الصديقية والشهادة، فهي لعامة المؤمنين، ولذلك قال الجلال المحلي: والصالحين غير من ذكر. انتهى.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: وأما الصالحون فهم اسم لكل من صلحت سريرته وعلانيته. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني