السؤال
لماذا يربط رب العزة في القرآن الكريم وجوده بالشجر في النور آية: 35 ـ الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. وفي القصص آية: 30 ـ فلما أتاها نودي من شاطيء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فخلق الشجر وإنبات النبات من الأرض من أعظم الأدلة الدالة على وجود الله تعالى وكمال قدرته وعظيم حكمته، والدالة كذلك على إمكان البعث والنشور كما ذكر الله تعالى الاستدلال بذلك في غير موضع كقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{فصلت :39}.
ولكن الآيتين المذكورتين في السؤال ليس لهما تعلق بهذا المعنى، فإن آية النور ضرب الله تعالى فيها مثلا لنوره في قلب عبده المؤمن، قال السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير آية النور: مثل نوره الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين، ـ كَمِشْكَاةٍ ـ أي: كوة ـ فِيهَا مِصْبَاحٌ ـ لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك: الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ ـ من صفائها وبهائها: كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ـ أي: مضيء إضاءة الدر: يُوقَدُ ـ ذلك المصباح، الذي في تلك الزجاجة الدرية: مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ـ أي: يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون: لا شَرْقِيَّةٍ ـ فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار: وَلا غَرْبِيَّةٍ ـ فقط، فلا تصيبها الشمس أول النهار، وإذا انتفى عنها الأمران، كانت متوسطة من الأرض، كزيتون الشام تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فتحسن وتطيب، ويكون أصفى لزيتها، ولهذا قال: يَكَادُ زَيْتُهَا ـ من صفائه: يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ـ فإذا مسته النار، أضاء إضاءة بليغة: نُورٌ عَلَى نُورٍ ـ أي: نور النار، ونور الزيت، ووجه هذا المثل الذي ضربه الله، وتطبيقه على حالة المؤمن، ونور الله في قلبه، أن فطرته التي فطر عليها، بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية، مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع، فإذا وصل إليه العلم والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه، بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصد، وسوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان، أضاء إضاءة عظيمة، لصفائه من الكدورات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان، ونور العلم، وصفاء المعرفة، نور على نور، ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل أحد يصلح له ذلك، قال: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ـ ممن يعلم زكاءه وطهارته، وأنه يزكو معه وينمو: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاس ـ ليعقلوا عنه ويفهموا، لطفا منه بهم، وإحسانا إليهم، وليتضح الحق من الباطل، فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علما واضحا: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. انتهى.
وأما الآية الثانية: فهي بيان للموضع الذي كلم الله تعالى عنده موسى عليه السلام، قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ ـ أَيْ مِنْ جَانِبِ الْوَادِي مِمَّا يَلِي الْجَبَلَ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْغَرْبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ ـ فَهَذَا مِمَّا يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ مُوسَى قَصَدَ النَّارَ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَالْجَبَلُ الْغَرْبِيُّ عَنْ يَمِينِهِ، وَالنَّارُ وَجَدَهَا تَضْطَرِمَ فِي شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ فِي لَحْفِ الْجَبَلِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَوَقَفَ بَاهِتًا فِي أَمْرِهَا، فَنَادَاهُ رَبُّهُ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ.
ثم ساق ابن كثير بعض الآثار الواردة في صفة تلك الشجرة، وبه يتبين لك معنى هاتين الآيتين والوجه الذي لأجله ذكر فيهما الشجرة.
والله أعلم.