الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنقول ابتداء: إذا كان الورثة محصورين فيمن ذكر ـ ولم يترك الميت وارثاً غيرهم ـ فإن لأمه السدس فرضاً لوجود الفرع الوارث، قال الله تعالى: وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ. {النساء: 11}.
ولزوجته الثمن ـ فرضاً ـ لوجود الفرع الوارث، قال الله تعالى: فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ. {النساء: 12}،.
والباقي للابنين والبنات ـ تعصيباً ـ للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ. {النساء: 11}.
ولا شيء لجدته ـ أم أمه ـ لأنها محجوبة بالأم حجب حرمان، فتقسم التركة على مائة وثمانية وستين سهماً:
للأم سدسها ـ ثمانية وعشرون سهماً ـ
وللزوجة ثمنها ـ واحد وعشرون سهماً ـ
ولكل ابن أربعة وثلاثون سهماً . ولكل بنت سبعة عشر سهماً.
وقولك إن الجدة ترفض أخذ نصيبها...: فالظاهر أنك تقصد أم الميت وسميتها جدة باعتبار أبناء الميت، وهذا التصويب إنما دعانا إليه أن الجدة لا نصيب لها في التركة هذه، وأن المتوفى ليس ابنها، بل ابن بنتها.
وعلى أية حال، فإن نصيب الأم من التركة يعتبر ملكاً لها ولو لم تقبله، لأن الميراث لا يفتقر إلى قبول، جاء في الموسوعة الفقهية: لا يشترط لانتقال التركة إلى الوارث قبول الوراثة، ولا إلى أن يتروى قبل أن يقبلها، بل إنها تؤول إليه جبراً بحكم الشرع من غير قبول منه. انتهى.
وإذا لم تتصرف الأم في نصيبها حتى ماتت انتقل إلى ورثتها ولها أن تتصرف فيه في حياتها بما تشاء كأن تتنازل عنه للورثة ما دامت عاقلة رشيدة.
وأما الأرض التي وهبتها والدتك لأحد أبنائها: فإن كان المقصود أنها هبة مجردة، أو بعقد بيع صوري، أو ببيع حقيقي ولكن فيه محاباة، فإن هذا البيع في حقيقته عطية، وإذا لم تعدل فيها بأن تعطي بقية أولادها ذكوراً وإناثاً ما يتحقق به العدل الواجب، فإن الهبة باطلة، لأنه يجب عليها أن تعدل في العطية لأولادها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. متفق عليه.
فيجب عليها ما دامت حية أن تسوي هذا التفضيل إما بأن ترجع في هبتها، أو تقسم الأرض عليهم، أو تعطي بقية أولادها ما يتحقق به العدل، قال صاحب الروض: فإن فضل بعضهم بأن أعطاه فوق إرثه، أو خصه، سوى وجوباً برجوع حيث أمكن، أو زيادة لمفضول ليساوي الفاضل، أو إعطاء ليستووا، لقوله عليه السلام: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. متفق عليه. انتهى.
وانظر الفتويين رقم: 101286، ورقم: 103527، عن وجوب العدل في العطية.
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا، أو ديون، أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي ـ إذاً ـ قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية ـ إذا كانت موجودة ـ تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.