السؤال
منذ مدة اشترت زوجتي أشياء وأخذت أعطيها ثمنها حتى أكملت لها ثمنها كلها ـ بفضل الله تعالى ـ وقلت لها ذمتي بريئة، أو أبرأت ذمتي منك، أو ليس في ذمتي شيء لك، أو شيء مثل ذلك، لا أتذكر، لأنه من مدة، لكن وردت كلمة ذمتي في الكلام، إلا أنني قصدت إبراء ذمتي من أي مال لها عندي ثمن ما اشترته، أو أي أشياء ودفعت حسابه كله، وبعدها بشهور حدث طلاق مقابل التنازل عن جزء من المهر، واليوم قرأت فتوى للشيخ ابن جبرين سأله رجل قال لأمراته: ما أنت بذمتي ـ فقال له هذا طلاق صريح، وليس كناية أبدا، وأضاف هل تحسب واحدة أم ثلاثا؟ حسب نيتك، فهذه أول مرة أعرف فيها ذلك، وكل ما أعرفه أن الصريح هو ما أشتق من كلمة الطلاق والباقي كناية، فهل أكون طلقت زوجتي دون أن أعلم بهذه الكلمة قبل أن أطلقها بالتنازل عن جزء من المهر؟ أم لم يحدث طلاق؟ لأن قصد الكلام كان عن المال، أو أي أشياء لها في ذمتي، ولم أقصد الطلاق وإذا كان الطلاق قد وقع، فهل يجب إعادة جزء المهر الذي تنازلت عنه؟ وهل كل المذاهب فيها أن ما أنت بذمتي طلاق صريح؟ أم هو مذهب الشيخ ابن جبرين ـ فقط؟ ولماذا لم ترد في فتاويكم أبدا أن هذه الكلمة من صريح الطلاق؟ أليس صريح الطلاق هو المشتق من كلمة الطلاق والمختلف فيه بين المذاهب: السراح والفراق؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبه ـ أولا ـ على أن صريح الطلاق محصور عند الجمهور في لفظ الطلاق وما تصرف منه ـ فقط ـ وزاد الشافعية لفظ الفراق والسراح ووافقهم الحنابلة في رواية لهم، قال ابن قدامة في المغني: هذا يقتضي أن صريح الطلاق ثلاثة ألفاظ: الطلاق, والفراق, والسراح, وما تصرف منهن ـ وهذا مذهب الشافعي.
وذهب أبو عبد الله بن حامد: إلى أن صريح الطلاق لفظ الطلاق وحده, وما تصرف منه لا غير، وهو مذهب أبي حنيفة, ومالك, إلا أن مالكا يوقع الطلاق به بغير نية، لأن الكنايات الظاهرة لا تفتقر عنده إلى النية، وحجة هذا القول أن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا, فلم يكونا صريحين فيه كسائر كناياته، ووجه الأول أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب بمعنى الفرقة بين الزوجين, فكانا صريحين فيه, كلفظ الطلاق, قال الله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.وقال: فأمسكوهن بمعروف.وقال سبحانه: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته.وقال سبحانه: فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا.وقول ابن حامد أصح، فإن الصريح في الشيء ما كان نصا فيه لا يحتمل غيره, إلا احتمالا بعيدا, ولفظة الفراق والسراح إن وردا في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين, فقد وردا لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيرا, قال الله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.وقال: وما تفرق الذين أوتوا الكتاب.فلا معنى لتخصيصه بفرقة الطلاق.انتهي. ورجح بعض متأخري المالكية أن عبارة: لست لي على ذمة ـ يعتبر طلاقا بائنا، وقال بعضهم يعتبر ثلاثا، وقيل بلزوم واحدة إلا لنية أكثر في المدخول بها وغيرها، قال الدسوقي في حاشيته على شرح الدردير المالكي: والحاصل: أن لست لي على ذمة، أو أنت خالصة، لا نص فيهما، وقد اختلف استظهار الأشياخ في اللازم بهما فاستظهر شيخنا العدوي لزوم طلقة بائنة، واستظهر الشارح لزوم الثلاث، واستظهر بعض المحققين أن خالصة ويمين سفه، ولست لي على ذمة في عرف مصر بمنزلة فارقتك يلزم فيه طلقة إلا لنية أكثر في المدخول بها وغيرها وأنها رجعية في المدخول بها وبائنة في غيرها. انتهي.وانطلاقا من كلام أهل العلم المتقدم، فإن عبارة: ما أنت بذمتي ـ ليست من صريح الطلاق وعليه، فإنه لم يلزمك طلاق في قولك ـ بعد قضاء دين زوجتك: ذمتي بريئة، أو ليس في ذمتي شيء، إلى آخر كلامك ـ لأنك تقصد براءة ذمتك من الدين المذكور، وإذا تقرر ذلك علمت أن الخلع الذي حصل بينك وبين زوجتك يعتبر نافذا إذا كان قد استكمل شرط نفاذه ولا داعي للوساوس والأوهام التي تشعر بها.
والله أعلم.