الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الأفضل التصدق أم ادخار المال للحاجة؟

السؤال

أنا فتاة عندي 26 سنة، خريجة كلية هندسة، وكنت بحمد الله أعمل بمرتب 1700 جنيه، وكنت أخرج منه صدقة شهرية 170 جنيها لناس محددين، غير أني تركت العمل الآن، ولا أعمل لظروف مرض أمي، وبقيت في البيت لأرعاها. كنت قد ادخرت من مرتبي مبلغا لاستخدامه في تجهيز نفسي عند الزواج نظرا لأني يتيمة الأب، وإخوتي الشباب عندهم عائلات، وكل مشغول في أمور حياته، وأردت أن أخفف عنهم عبء تجهيزي بهذا المبلغ.
سؤالي الآن هو أني مازلت أخرج الصدقة الشهرية، ولكن من المبلغ الذي ادخرته لزواجي، وهذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا بلال: أنفق بلال لا تخش من ذي العرش إقلال، وأيضا قول رجل للخليفة المأمون منع الموجود سوء ظن بالمعبود. ولذلك فإني مازلت آخذ من هذا المبلغ وأعطي هؤلاء الناس نصيبهم كل شهر، ولكن لا أعرف هل من الأولى أن أحافظ على هذا المبلغ لكي لا أثقل على إخوتي عند زواجي أم أحافظ على صدقتي هذه الشهرية، مع العلم أن الصدقة لن تنقطع عن هؤلاء الناس، ولكن سيكون أخي من يدفعها من ماله الخاص وليس من مالي. أرجو الرد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيراً على حرصك على أعمال البر، ورغبتك في ثواب الله ورضوانه، ولا يخفى أنّ الصدقة من أفضل الأعمال التي يحبها الله، ومن أعظم أسباب صلاح القلوب وتطهير النفوس، لكن الإنسان إذا كان في حاجة فالأولى أن يبدأ بنفسه، ففي حديث جابر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَىْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَىْءٌ فَلِذِى قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِى قَرَابَتِكَ شَىْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا. رواه مسلم.

وعن حَكِيم بْن حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ - أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ - عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. متفق عليه.

فإذا أمكنك الجمع بين تلك الصدقة وبين ادخار بعض المال الذي تحتاجينه في تجهيز نفسك عند الزواج فذلك أولى وأفضل، وإن لم يمكنك ذلك فالأولى أن تدخري ما تحتاجينه لحاجتك عند الزواج، ولا سيما إذا كان أخوك سيقوم بدفع المال للفقراء بدلا منك، لكن إذا وجدت في نفسك قوة في التوكل وصدقا في اليقين بحيث لا تندمين بعد ذلك إذا احتجت لهذا المال، ففي هذه الحال يكون الأولى لك أن تتصدقي وتتوكلي على الله، وبهذا جمع العلماء بين قوله صلى الله عليه وسلم : خير الصدقة عن ظهر غنى. وقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أفضل الصدقة قال : جهد المقل..

قال في عون المعبود: أي أفضل الصدقة قدر ما يحتمله حال القليل المال والجمع بينه وبين قوله أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غني أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين.

وقال الصنعاني: ووجه الجمع بين هذا الحديث والذي قبله ما قاله البيهقي ولفظه: والجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" وقوله: " أفضل الصدقة جهد المقل" أنه يختلف باختلاف أحوال الناس في الصبر على الفاقة والشدة والاكتفاء بأقل الكفاية وساق أحاديث تدل على ذلك. اهـ من سبل السلام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني