السؤال
أنا أحافظ علي صلاتي في المسجد وما رأيت في نفسي معصية إلا تركتها وأنعم علي الله بحبه، ومضى معي هذا الشعور منذ صلاة العشاء إلى صلاة الظهر في اليوم التالي وكنت في أفضل الأحوال يصحبها شعور بعدم التقصير في الدين، ثم ذهب عني ولا أعرف لماذا وتغيرت حياتي كليا من سعادة إلى كآبة وحزن. فلم ذهب عني؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم بارك الله فيك أن السعادة لا تنال إلا بالقرب من الله تعالى والاجتهاد في طاعته، وقد وعد الله تعالى من تقرب إليه وطلب مرضاته وفعل الطاعات وتجنب المعاصي بالحياة الطيبة، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. {النحل:97}. وهذه الحياة الطيبة تكون في دور المؤمن الثلاث في الدنيا والبرزخ وفي الآخرة، ولهذا تجد الصالحين المتقين أسعد الناس وأحسنهم حالا وأرغدهم عيشا وأهنأهم بالا مع ما قد يتعرضون له من شدة العيش.
واسمع لابن القيم رحمه الله وهو يصف حال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه. وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة. انتهى.
وعلى الضد من ذلك فإن الشقاء والهم والعناء إنما يكون في البعد عن الله تعالى والإعراض عنه، مصداق قوله جل اسمه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا. {طه: 124}. وهذه المعيشة الضنك تكون في دور العبد الثلاث، وبقدر إعراضه عن ذكر الله تعالى وطاعته يكون حظه من ضنك المعيشة، فإذا عرفت الداء وعرفت الدواء فقد سهل عليك أن تعرف من أين أتيت وأن تحدد سبب ذلك الغم الذي نزل بك، فلا بد من أن يكون قد حصل لك نوع من الفتور عن الطاعة والتكاسل في العبادة فسلبك الله ما كنت تجده من اللذة وتعوضت منها بهذا الهم والحزن، وطريق العلاج واضح، فعليك أن تكثر من ذكر الله تعالى فإن الذكر أعظم طارد للشياطين ومذهب لوساوس الصدور، وجالب للانشراح والفرح والطمأنينة، واجتهد في الدعاء أن يذيقك الله حلاوة الإيمان وألا يسلبك لذته، وأقبل على الله بإخلاص وصدق ويقين وطلب لمرضاته تعالى معرضا عن لذائذ الدنيا وشهواتها راغبا في الآخرة وما عند الله، وثق بأن السعادة والتوفيق وانشراح الصدر قرينة للطائع المقبل بكليته على ربه، وأن فضل الله تعالى عظيم ورحمته واسعة فهو قد يبتلي العبد بشيء من الهم والحزن كذلك الذي ابتليت به ليكون مقربا للعبد منه، وهو تعالى كريم فلا يحرم فضله من التجأ إليه وبذل وسعه في طلب مرضاته، كيف وهو القائل: أنا عند ظن عبدي بي. وهو تعالى القائل: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له من الموت. أخرجه البخاري.
فنسأل الله أن يوفقنا وإياك لما فيه رضاه وأن يرزقنا حلاوة الإيمان ولذة الأنس به تعالى.
والله أعلم.